موسوعة عـالم الثعابـيـن
يتوجس
القلب خيفة عند ذكر الثعابين ، تلك المخلوقات الغريبة والمدهشة والمهابة ،
يأتي ذلـك كله من عدم تعود الناس عليها كسائر الحيوانات ، فمن الطبيعي أن
يستمتع المرء بتأمل الطيور أو الحيوانات الأخرى ، ولكن أن يتأمل المرء
ثعباناً ، فهذا أمر ليس باليسير لنفور النفس ولأنها نفسها مخلوقات خجولة لا
تحت الـمواجهة إلا في حال دفاعها عن نفسها .
والثعابين مخلوقات
كباقي المخلـوقات تعيش وتأكل وتتزاوج وتتكاثر ، إلا أن الأساطير
والـخـرافات عنها كثيرة جداً ، ولعل ذلك عائد لعدم المعرفة بتلك المخلوقات
فكل ما يقال عنها مصدق .
إن معرفة عامة الناس بهذه الحيوانات قليلة جداً ، وهذه المعرفة محاطة بالحذر والخوف مما يجعل ما يقال عنها أقرب للصحة في الإعتقاد .
وقد
أدى الجهل بـتلك المخلـوقات وخطورة بعضها إلى اختلاق كثير من الحكايات
والأـساطير التي يشيب منها الشعر هلعاً ويرتعد منـها الـقلب خوفاً وجزعاً ،
فـقد نـسجت حول الثعابين قصص كثيرة تدل في معظمها على خطورتها وكيف أنها
تنتقم لنفسها وتحطم من حولها ، وذلك بالتأكيد قد جعل الخوف منها أكبر
والحذر منها أوجب وأجدر .
والثعابين مخلوقات جميلة تسـتحق المتابعة
والإهتمام ، فكم هي أنواعها وأشكالها وأحجامها ، وكم هي ألوانها التي لا
توجد في سواها ، وكم هي الزخارف المنقوشة على أجسامها والتي تعتبر لوحات
فنية أبدعها الخالق عز وجل مما جعل من أسلوب حياتها متعة تستحق المتابعة ،
وكذلك فإن عاداتها وتصرفاتها تستحق الدراسة .
إن
هذه المخلوقات ورغم صغرها فهي قوية ولها القدرة على المواجهة ، وأن بعض
أنواعها وإن كانت صغيرة الحجم لها سم قاتل ، والبعض الآخر وإن كان كبير
الحجم تراه وديعاً كالحمل ، تناقضات عجيبة وحـياة غريبة تعيشها تلك
الحيوانات بعيداً عن عيون الإنسان وفضـــولهم ، كـونها مكروهة لديهم
يخافونها بمجرد سماعهم عنها .
إنه من غير المنطقي أن نكره مخلوقات
خلقها الله كغيرها من المخلوقات الدالة على وحدانية الله وقدـرته ، يقول
سبحانه وتعالى في محكم التنزيل ( إن في خلـق السمــاوات والأرض واختلاف
الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من
السماء مـن ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فـيها من كل دابة وتصـريف
الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون ) .
وهذه
المخلوقات ما هي إلا أمم وشعوب أمثـالنا يقول عز من قائل ( وما من دابة في
الأرض ولا طائر يطـير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب مـن شيء
ثم إلى ربهم يحشـرون ) . ( خلق السموات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض
رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها
من كل زوج كـريم ) . ( ومـن آيـاته خلق السموات والأرض وما بث فيهما من
دابة وهو على جمعهم إذا يـــشاء قدير ) . وهي من آيات الله الكثيرة في
الكون ( وفي خـلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون ) ، فالثعابين خـلق
من خلق الله لم تخلق في هذا الكون عبثاً ( ولله يسجد ما في السموات ومافي
الأرض من دابة والملائكة وهم لا يسـتكبرن ) ، وقد قسم الله سبحانه وتعالى
الرزق لجميع خلقه ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها
ومستودعها كل في كتاب مبين ) .
والله
سبحانه وتعالى ممسك بـــناصية كل شيء يعيش على هذه الأرض ومسيره يقول عز
وجل في محكم التنزيل ( إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ
بناصيتها إن ربي على صراط مسـتقيم ) ، ( وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله
يرزقها وإياكم وهو السميع العليم ) .
بل إن تلك المخلوقات
وغــيرها قد سخــرت رحمة للناس ورأفة بهم وإعانتهم على معيشتهم ودفعاً
لنقمته عز وجل ، يقول سبحانه وتعالى في كتابه العزيز ( ولو يؤاخذ الله
الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمــى فإذا جاء
أجــلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) .
فلابد أن نقف عند هذه
الكـائنات لنتعرف عليها وعلى نقاط الجمال فيها ، فالثعابين ليست خطرة في
مجملها كما يعتقد عامة الناس فخطورتها قليلة جداً سواء بالـنسبة إلى غيرها
من الحيوانات المتوحشة أو إلى نفسها ، فالثعابين القاتلة لا تزيد عن 30% من
أنواعها التي تزيد عن 2700 نوع من الثعابين في العالم ، وليس هذا فحسب
فالسمية أيضاً تتفاوت في هذه النسبة لتكون الأنواع الخطرة منها مما يعد على
أطراف الأصابع فالسام معـروف شكله وهيئته ، وكم من الثعابين قضي عليها
دونما سبب بل لمجرد كونها من الثعابين ، وكم من القـصص التي شوهت الثـعابين
ونعتتها بما ليس فيها ، وذلك ليس بالأمر الغريب فكل ما يقال مصدق ، وما
أكثر ما قيل بدون علم أو دراية ، وبعد أن كان للناس علماً أصبح تضليلاً
وغواية .
وهنا يتساءل البعض : هل المطلـوب أن نربت على أي ثعبان نراه ونهتم به ؟؟؟
هنا
أود الإشارة إلى أن الهدف من التعريف بتلك المخلوقات هو الإهتمام بها وذلك
بالتعرف عليها وعلى أنواعها وأنماط سلوكها وحياتها ( الضار منها وغير
الضار ) وبذلك نأمن شرورها مع المحافظة عليها .
إن الهدف من وضع
هذا الكتاب هو عدم معـــرفة عامة الناس بهذه المخلوقات من جميع جوانبها ،
وافتقار المكتبة العربية لكتاب شامل يغني عن التكرار ويوضح السبيل والطريق
لكل محتار ويكون دليلاً ومرجعاً لمن رغب في الاستفادة والتعرف على تلك
الكائنات بالزيادة .
وفي هذا الكتاب سنتناول الثعابين من جميع
جوانبها ، سيرتها ، ما ذكر عنها في الكتاب والسنة ، والخرافات التي وردت
عنها ، حكاياتها ، حياتها وطرق معيشتها ، أشكالها وأنواعها ، بعض الحقائق
عنها ، ونرجو أن نكون بهذا قد عرضنا بعض الجوانب المهملة عن هذه الكائنات
وأن نعطي القاريء صورة شبه كاملة عنها ، نسأل الله أن يوفقنا وأن يجعل هذا
العمل خالصاً لوجهه تعالى .
المـؤلف
كامل محمد زيني بدوي