نشأة الصحافة وتطورها في العصور القديمة
خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان، وخلق معه غريزة حب الاستطلاع، والبحث والتطلع لمعرفة كل ما هو جديد، في الحياة، من أجل الاطمئنان إلى البيئة، التي يعيش فيها، داخلياً وخارجياً.
ومنذ وجد الإنسان، وعرف اللغة والكلام، نشأت عنده حاجة لأن يقول للآخرين ما يعمل، وما يفكر فيه؛ ويعرف منهم، كذلك، ما يعملونه، وما يفكرون فيه، لأن طبيعة الإنسان الاجتماعية، تجعله يهتم بما يدور حوله، ولا يستطيع الحياة وحده، فكان لابد من إيجاد وسيلة للتعبير عن آرائه، وآماله وآلامه وحاجاته، إلى غير ذلك.
والصحافة، بمعنى نقل الأخبار، قديمة قدم الدنيا وليست النقوش الحجريـة في مصر والصين وعند العرب الجاهليين، وغيرهم من الأمم العريقة، إلاّ ضرباً من ضروب الصحافة في العصور القديمة. ولعل أوراق البردي المصرية، من أربعة آلاف عام، كانت نوعاً من النشر أو الإعلام أو الصحافة القديمة.
وكانت الأخبار، في هذه العصور الأولى، خليطاً من الخيال والواقع، تمشياً مع رغبات السامعين، بغية التسلية، الإشادة بالبطولة والقوة، وكان هذا اللون من القصص كثير التداول بين الناس يعمر طويلاً، وينتقل من جيل إلى جيل، على صورة القصص الشعبي، الفولكلور. ولو صح ما قاله المؤرخ يوسف فلافيوس أنه كان، للبابليين، مؤرخون مكلفون بتسجيل الحوادث، التي اعتمد عليها نيروز، في القرن الثالث قبل الميلاد، في كتابه "تاريخ الكلدانيين"، لتبين أن الصحافة، كظاهرة اجتماعية قديمة جداً، عُرفت في العصور السحيقة.
ويقال أن الصحافة بدأت في صورة الأوامر، التي كانت الحكومات توفد بها رسلها مكتوبة، على ورق البردي، إلى كل إقليم. وكان لهؤلاء الرسل محطات معينة يتجهون إليها، بما يحملون من الرسائل، لهم جياد في كل محطة. ومتى وصلت الرسالة إلى حاكم الإقليم، أذاع ما فيها على سكان إقليمه، وقد يلجأ، في بعض الأحيان، إلى إطلاق المنادين ينادون بما فيها.
استخدمت الحكومات كذلك النقش على الحجر، وكان لابد لها حينئذ من أحجار عدة، تُنقش على كل واحد منها، نسخة من التبليغ، الذي تريده، ثم تبعث بها إلى حيث تُوضع، في المعابد، التي يكثر تردد الناس عليها. ومن هذه الأحجار، حجر رشيد المشهور، الذي كان وسيلة للوقوف على سر الكتابة المصرية، وقد وجدت من هذا الحجر ـ إلى منتصف القرن العشرين ـ نسختان، إحداهما أخذها الإنجليز، أثناء حملة بونابرت، ووضعوها في المتحف البريطاني، والثانية عُثر عليها، بعد ذلك، وهي توجد الآن في المتحف المصري.
وكان حجر رشيد مكتوباً بثلاثة خطوط: اليوناني والديموطيقي والهيروغليفي، وهو يعود إلى عهد بطليموس الخامس، في نحو 196 قبل الميلاد. وكان الغرض من كتابته هو إذاعة قرار أصدره المجمع الديني، في مدينة ممفيس، فكان الخط اليوناني لليونانيين، والخط الديموطيقي لعامة الشعب، والخط الهيروغليفي للكهنة، وبذلك يمكن القول أن حجر رشيد كان جريدة واسعة الانتشار.
ولا يقتصر الأمر على مصر؛ ففي معرض الصحافة، في كولونيا بألمانيا عام 1928، توجد قطعة من الحجر عُثر عليها في جزيرة كريت، ويرجع تاريخها إلى القرن الخامس ق.م، نقش عليها باليونانية القديمة دعوة إلى وليمة. كما عثر على قطعة أخرى من الخشب، في استراليا، يرجع تاريخها إلى أكثر من ألفي عام، وعليها دعوة إلى وليمة، كذلك، وهذا يشبه ما تنشره الصحف، الآن، من أخبار الزواج، والولائم والدعوة إليها.
تعد الرسائل الإخبارية المنسوخة المظهر البدائي، أو الأولي للصحافة، منذ الحضارات الشرقية القديمة، وهناك أوراق مصرية من البردي الفرعوني يرجع تاريخها إلى أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، تتضح فيها الحاسة الصحفية لإثارة الميول، عند القراء، وجذب انتباههم.
على واجهة معبد هيبس يوجد نقش فيه بنود قانون يحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ضماناً لسير العدالة، وإيضاحاً لقواعد جباية الأموال، وإنذاراً بالعقاب عن الجرائم المتفشية، وأهمها الرشوة، والبلاغ الكاذب.
ويؤكد المؤرخ اليهودي يوسف فلافيوس أنه كان، للبابليين، مؤرخون مكلفون بتسجيل الحوادث، شأنهم في ذلك، شأن الصحفيين في العالم الحديث. ولقد كان لبابل، في العصور القديمة، شهرة منف وطيبة، في مصر الفرعونية. وبلغت أوج مجدها، في عهد الملك حمورابي، عام 2100 ق.م الذي تنسب إليه أول صحيفة ظهرت، في العالم، وهي مجموعة حمورابي للقوانين التي عدها علماء تاريخ القانون أول صحيفة لتداول القوانين، مثل صحيفة الوقائع المصرية، وغيرها من الصحف الرسمية، التي تنشر القوانين، واللوائح، والقـرارات.
وعرفت معظم الحضارات القديمة، كحضارة الصين والإغريق والرومان، الخبر المخطوط، فقد أصدر يوليوس قيصر عقب توليه السلطة، عام 59 ق.م، صحيفة مخطوطة اسمها اكتاديورنا actadurina أي "الأحداث اليومية". يُكتب فيها أخبار مداولات مجلس الشيوخ، وأخبار الحملات الحربية، وبعض الأخبار الاجتماعية، مثل الزواج والمواليد والفضائح، وأخبار الجرائم والتكهنات. وكان للصحيفة مراسلون، في جميع أنحاء الإمبراطورية، وكانوا غالباً من موظفي الدولـة.
خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان، وخلق معه غريزة حب الاستطلاع، والبحث والتطلع لمعرفة كل ما هو جديد، في الحياة، من أجل الاطمئنان إلى البيئة، التي يعيش فيها، داخلياً وخارجياً.
ومنذ وجد الإنسان، وعرف اللغة والكلام، نشأت عنده حاجة لأن يقول للآخرين ما يعمل، وما يفكر فيه؛ ويعرف منهم، كذلك، ما يعملونه، وما يفكرون فيه، لأن طبيعة الإنسان الاجتماعية، تجعله يهتم بما يدور حوله، ولا يستطيع الحياة وحده، فكان لابد من إيجاد وسيلة للتعبير عن آرائه، وآماله وآلامه وحاجاته، إلى غير ذلك.
والصحافة، بمعنى نقل الأخبار، قديمة قدم الدنيا وليست النقوش الحجريـة في مصر والصين وعند العرب الجاهليين، وغيرهم من الأمم العريقة، إلاّ ضرباً من ضروب الصحافة في العصور القديمة. ولعل أوراق البردي المصرية، من أربعة آلاف عام، كانت نوعاً من النشر أو الإعلام أو الصحافة القديمة.
وكانت الأخبار، في هذه العصور الأولى، خليطاً من الخيال والواقع، تمشياً مع رغبات السامعين، بغية التسلية، الإشادة بالبطولة والقوة، وكان هذا اللون من القصص كثير التداول بين الناس يعمر طويلاً، وينتقل من جيل إلى جيل، على صورة القصص الشعبي، الفولكلور. ولو صح ما قاله المؤرخ يوسف فلافيوس أنه كان، للبابليين، مؤرخون مكلفون بتسجيل الحوادث، التي اعتمد عليها نيروز، في القرن الثالث قبل الميلاد، في كتابه "تاريخ الكلدانيين"، لتبين أن الصحافة، كظاهرة اجتماعية قديمة جداً، عُرفت في العصور السحيقة.
ويقال أن الصحافة بدأت في صورة الأوامر، التي كانت الحكومات توفد بها رسلها مكتوبة، على ورق البردي، إلى كل إقليم. وكان لهؤلاء الرسل محطات معينة يتجهون إليها، بما يحملون من الرسائل، لهم جياد في كل محطة. ومتى وصلت الرسالة إلى حاكم الإقليم، أذاع ما فيها على سكان إقليمه، وقد يلجأ، في بعض الأحيان، إلى إطلاق المنادين ينادون بما فيها.
استخدمت الحكومات كذلك النقش على الحجر، وكان لابد لها حينئذ من أحجار عدة، تُنقش على كل واحد منها، نسخة من التبليغ، الذي تريده، ثم تبعث بها إلى حيث تُوضع، في المعابد، التي يكثر تردد الناس عليها. ومن هذه الأحجار، حجر رشيد المشهور، الذي كان وسيلة للوقوف على سر الكتابة المصرية، وقد وجدت من هذا الحجر ـ إلى منتصف القرن العشرين ـ نسختان، إحداهما أخذها الإنجليز، أثناء حملة بونابرت، ووضعوها في المتحف البريطاني، والثانية عُثر عليها، بعد ذلك، وهي توجد الآن في المتحف المصري.
وكان حجر رشيد مكتوباً بثلاثة خطوط: اليوناني والديموطيقي والهيروغليفي، وهو يعود إلى عهد بطليموس الخامس، في نحو 196 قبل الميلاد. وكان الغرض من كتابته هو إذاعة قرار أصدره المجمع الديني، في مدينة ممفيس، فكان الخط اليوناني لليونانيين، والخط الديموطيقي لعامة الشعب، والخط الهيروغليفي للكهنة، وبذلك يمكن القول أن حجر رشيد كان جريدة واسعة الانتشار.
ولا يقتصر الأمر على مصر؛ ففي معرض الصحافة، في كولونيا بألمانيا عام 1928، توجد قطعة من الحجر عُثر عليها في جزيرة كريت، ويرجع تاريخها إلى القرن الخامس ق.م، نقش عليها باليونانية القديمة دعوة إلى وليمة. كما عثر على قطعة أخرى من الخشب، في استراليا، يرجع تاريخها إلى أكثر من ألفي عام، وعليها دعوة إلى وليمة، كذلك، وهذا يشبه ما تنشره الصحف، الآن، من أخبار الزواج، والولائم والدعوة إليها.
تعد الرسائل الإخبارية المنسوخة المظهر البدائي، أو الأولي للصحافة، منذ الحضارات الشرقية القديمة، وهناك أوراق مصرية من البردي الفرعوني يرجع تاريخها إلى أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، تتضح فيها الحاسة الصحفية لإثارة الميول، عند القراء، وجذب انتباههم.
على واجهة معبد هيبس يوجد نقش فيه بنود قانون يحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ضماناً لسير العدالة، وإيضاحاً لقواعد جباية الأموال، وإنذاراً بالعقاب عن الجرائم المتفشية، وأهمها الرشوة، والبلاغ الكاذب.
ويؤكد المؤرخ اليهودي يوسف فلافيوس أنه كان، للبابليين، مؤرخون مكلفون بتسجيل الحوادث، شأنهم في ذلك، شأن الصحفيين في العالم الحديث. ولقد كان لبابل، في العصور القديمة، شهرة منف وطيبة، في مصر الفرعونية. وبلغت أوج مجدها، في عهد الملك حمورابي، عام 2100 ق.م الذي تنسب إليه أول صحيفة ظهرت، في العالم، وهي مجموعة حمورابي للقوانين التي عدها علماء تاريخ القانون أول صحيفة لتداول القوانين، مثل صحيفة الوقائع المصرية، وغيرها من الصحف الرسمية، التي تنشر القوانين، واللوائح، والقـرارات.
وعرفت معظم الحضارات القديمة، كحضارة الصين والإغريق والرومان، الخبر المخطوط، فقد أصدر يوليوس قيصر عقب توليه السلطة، عام 59 ق.م، صحيفة مخطوطة اسمها اكتاديورنا actadurina أي "الأحداث اليومية". يُكتب فيها أخبار مداولات مجلس الشيوخ، وأخبار الحملات الحربية، وبعض الأخبار الاجتماعية، مثل الزواج والمواليد والفضائح، وأخبار الجرائم والتكهنات. وكان للصحيفة مراسلون، في جميع أنحاء الإمبراطورية، وكانوا غالباً من موظفي الدولـة.