مواعيد علامات الحمل في القرآن الكريم
بقي الاعتقاد منذ عهد أرسطو في القرن الرابع الميلادي (384 - 322 ق. م)
ولعدة قرون بفكرة التولد الذاتي للجنين من دم الحيض بناء على توهم تولد
العفن من غير سبب، وبعد اكتشاف المجهر في القرن السابع عشر أعلن هار في عام
1651م أن الأجنة إفرازات من الرحم لعدم تمكنه من رؤية المراحل الأولى
لتكونها، ولكن اكتشاف جراف عام 1672م لحويصلة المبيض التي سميت باسمها
واكتشاف أجسام في أرحام الأرانب بدت شبيهة لأجنة حديثة قد جعله يستبعد
علاقتها بالرحم ويعلن علاقتها بالمبيض الذي سماه خصية المرأة، واكتشف لويس
باستير في القرن التاسع عشر (1864) أن العفن سببه كائنات دقيقة مُيزت
فصائلها بأسماء متنوعة مما أدى إلى القضاء على وهم التولد ذاتياً للكائنات
الحية، وهكذا أخذت المعرفة البشرية تتطور شيئاً فشيئاً حتى عُرف الكثير عن
آلية الإنجاب وعرفت علاقة الدورة الرحمية بدورة المبيض وتأكد وقوع الإخصاب
في منتصف الدورات، ولم يكن أحد يعلم زمن التنزيل شيئاً عن آلية التبويض
والإنجاب بل اعتبرت إمكانية الحمل قائمة حتى في الحيض وإذا إجتنب الحيض فهو
للتوهم بأفضلية الابن ثمرة الطهر، ولم يكن أحد يعلم زمن الإخصاب ولا يدرك
أن ظهور الحمل موعده بعد ثلاث دورات معتادة وأن الحامل تبدأ استشعار حركة
الجنين في العادة بعد أربعة أشهر تماماً من الواقع المثمر.
وفي تشريع حكيم يعالج القرآن عدة حالات اجتماعية ويحدد مواعيد ظهور علامات
الحمل واستيفاء أدلة تنفيه وفق مصطلح الفقهاء "براءة الأرحام"ويوزعها بما
يناسب أحوال النساء:
(1) حالة المطلقات ذوات دورة الحيض المنتظمة المعتادة المعبر عنها بالقروء:
(وَالْمُطَلّقَاتُ يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ
يَحِلّ لَهُنّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِيَ أَرْحَامِهِنّ)
(البقرة288)، والتربص يعني الترقب ويتعلق هنا بعلامة تؤيد وقوع الحمل: (ما
خلق الله في أرحامهن) ومع انقطاع الحيض والعلامات الثانوية يتأكد الحمل
بنمو الرحم وبروز البطن بعد ثلاث دورات معتادة، أي: ما يقارب ثلاثة أشهر،
وهي الغالب في المدة التي تحصل فيها ثلاثة قروء عملا بالغالب دون النادر
والمدة الغالبة لدورة الحيض: 4(3-5) أسابيع.
(2) حالة اليائسات من استمرار الحيض والصغيرات اللائي لم يحضن، كما قال -
تعالى -: (وَاللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نّسَآئِكُمْ إِنِ
ارْتَبْتُمْ فَعِدّتُهُنّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاّتِي لَمْ يَحِضْنَ)
(الطلاق4)، والحمل ممكن وإن كان نادراً في حالة اضطراب الحيض عند سن الكمال
(اليأس) وعند البلوغ ولا توجد في تلك الحالات دورات حيض منتظمة فاستبدل
القرآن مدة الأقراء بقيمة مماثلة وهي ثلاثة أشهر.
(3) حالة وفاة الزوج: (وَالّذِينَ يُتَوَفّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ
أَزْوَاجاً يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً)
(البقرة234)، وبالفعل تبدأ الحامل في الغالب أول شعورها بحركة الجنين الذي
بعد أربعة أشهر منذ يوم الإخصاب الذي لم يكن يدرك أحد وقوعه في منتصف
الدورات، وللتباين في الخبرات قد يتأخر قليلاً بدء من شعور الحوامل بحركة
الجنين عند موعده وهو (أربعة أشهر) وهنا أضيفت للمدة الغالبة مدة كافية هي
عشرة أيام، قال ابن عاشور: "جعل الله عدة الوفاة منوطة بالأمد الذي في مثلة
يتحرك الجنين تحركاً بيناً".
والزيادة في عدة الوفاة عن الأشهر في عدة الطلاق تكشف قصد الاحتياط، ومع
الاكتفاء بثلاثة قروء، أو أشهر؛ لاستيفاء دلائل نفي حمل المطلقات قد شدد
القرآن على التيقن التام من استكمال مدة عدتهن بالأمر الصريح موجها الخطاب
إلى النبي محمد صلى الله عيه وسلم وسائر المسلمين: (يَأيّهَا النّبِيّ
إِذَا طَلّقْتُمُ النّسَآءَ فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ وَأَحْصُواْ
الْعِدّةَ) (الطلاق1)، والمراجعة من أغراض الانتظار للتعقيب بعده: (لاَ
تَدْرِى لَعَلّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) الطلاق 1، وهي تكشف
قصد الإصلاح وحفظ الأسرة من الانهيار وضمان المأوى الصالح لتربية الأبناء.
قال الشيخ بن عاشور: "الغرض الأول من العدة هو تحقيق براءة الرحم وضم إلى
ذلك غرض آخر هو ترقيب المراجعة فلما حصل الأهم (وهو هنا تحقيق براءة الرحم
بانتهاء عدة المطلقة) أُلغي ما عداه (المراجعة) مراعاة لحق المرأة في
الانطلاق من حرج الانتظار".
والعلة الأولى لتشريع العدة في حالات إمكانية الإنجاب بعد المفارقة بالطلاق
أو الوفاة هي منع اختلاط الأنساب ولذا اقترنت حالة زواج المرأة بآخر
بالمنع إلا باستيفاء أدلة نفي وقوع الحمل من زوجها الأول: (وَلاَ
تَعْزِمُوَاْ عُقْدَةَ النّكَاحِ حَتّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ
أَجَلَهُ)(البقرة235)، والكتاب أي المكتوب تصوير لوحدة التقدير، ولذا لا
عدة بلا معاشرة: (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِذَا نَكَحْتُمُ
الْمُؤْمِنَاتِ ثُمّ طَلّقْتُمُوهُنّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسّوهُنّ فَمَا
لَكُمْ عَلَيْهِنّ مِنْ عِدّةٍ تَعْتَدّونَهَا)(الأحزاب49)، بينما تمتد
العدة عند الحمل حتى الوضع: (وَأُوْلاَتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنّ أَن
يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ)(الطلاق4)، وبهذا تبين أن العلة في تشريع العدة تتباين
وتتعدد فهي ليست مقصورة فقط على براءة الرحم وإنما يراد منها أيضاء
إمكانية المراجعة في حالة الطلاق والوفاء للزوج الميت، ولهذا فإن المعرفة
بثبوت أو بنفي الحمل مبكراً بالوسائل الحديثة لا يعني توقف العمل به.
الأحداث الرحمية في الدورة النموذجية (سنيل 1975 ص 18، لانجمان 1981 ص 30).
في الدورة النوذجية (28 يوماً) يبدأ الدورة الرحمية مع بدء الدورة
المبيضية منذ اليوم الأول للحيض الذي يستمر لمدة أربعة أيام بانهيار الطبقة
السطحية للبطانة الرحمية، ثم يليه بدء تجددها، ويقع التبويض في اليوم 14
ويقع الإخصاب في نفس اليوم؛ لأن القابلية للإخصاب أقل من يوم.
ومدة الحمل منذ الإخصاب266 يوما وكما يقول البروفسير كيث مور في كتابه
(تطور الجنين ص9): يتوقع الوضع بعد147 (+أو-15) يوماً منذ الشعور بحركة
الجنين، فتكون الفترة السابقة على حركة الجنين118 (266-148) يوماً وهي نفس
الفترة في القرآن بالعمر الجنيني: مدة أربعة أشهر =4x29.5=118 يوماً، وهي
نفس المدة علمياً لرصد حركة الجنين.
موعد التبويض في الدورات الحيضية: يحدث التبويض غالباً في منتصف الدورات
النموذجية (اليوم 14) وكقاعدة عامة مهما اختلف طول الدورات يحدث التبويض
قبل اليوم المتوقع لحيض الدورة التالية بأسبوعين كفترة ويرجع الاختلاف في
موعد التبويض إلى الفترة قبل التبويض لذا فهو يقع في اليوم 14 (7-21) يوماً
(علم الولادة وليام 1994 ص 49)، ويظهر الحمل بشعور المرأة بالثقل، ونمو
البطن؛ ليؤيد انقطاع الحيض، والعلامات الثانوية في نهاية ثلاث دورات حيض
منتظمة معتادة (12أسبوعاً) قد عبر عنها القرآن بثلاثة قروء وبهذا يسبق
القرآن في اعتماد العمر الحيضي للحمل بالإضافة إلى اعتماد العمر الجنيني:
مدة 3 قروء = 3x28=84 يوماً (من بدء آخر حيضة). 12أسبوعاً= 84 =7x12 يوماً
(منذ بدء آخر حيضة)، وهذا الاتفاق التام يعنينا في ترجيح معنى القرء: "هل
القرء يراد به الحيض أم الطهر؟ " خصوصاً أنه يعني لغة دورة فيشملهما، ولذا
استبدل بالشهر في اليائسات وهو دورة مدتها مماثلة للقرء.
قال ابن عطية الأندلسي (المتوفى سنه546هـ) "القرء في اللغة هو الوقت
المعتاد تردده"، وقال بن منظور (المتوفى سنة711هـ): "الأصل في القرء الوقت
المعلوم (للتكرار بانتظام)؛ لأن قرء الفرس هو أيام سفادها، وأقرأت الرياح
أي هبت لأوانها، وأقرأت المرأة إذا حاضت" وقال السمين الحلبي (المتوفى سنة
756هـ): "قيل في الحيض قرء وفي الطهر قرء لأنهما يرجعان لوقت معلوم" (ولكن)
قال الراغب القرء في الحقيقة اسم للدخول في الحيض عن طهر وليس القرء اسماً
للطهر مجرداً ولا للحيض مجردا بدلالة أن الطاهر التي لم ترى الدم لا يقال
لها ذات الاقراء (فبدء الحيض إذن هو بدء للأقرء) وكذا الحائض التي استمر
بها الدم والنفساء لا يقال لها ذلك وقوله - تعالى -: (ثلاثة قروء) أي ثلاثة
دخول من الطهر في الحيض وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "اقعدي عن الصلاة
أيام أقرائك" أي أيام حيضك (وهو الدليل على أن الحيض هو بداية الأقراء)
وإنما هو كقول القائل افعل ذلك أيام ورود فلان ووروده (المتكرر بانتظام)
إنما يكون في ساعة..وقول أهل اللغة أن القرء من الجمع لأنهم اعتبروا الجمع
بين زمن الطهر والحيض.
والحاصل كما يقول الشيخ ابن عاشور أن: "الطهر الذي طلقت فيه هو مبدأ
الاعتداد وهو قول جميع الفقهاء (عدا ابن شهاب).. والطلاق لا يكون إلا في
طهر عند الجميع (والمستند هو أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بمراجعة ابن
عمر امرأته حتى الطهر).. وهم متفقون على أن الطهر الذي وقع الطلاق فيه
معدود في الثلاثة قروء.. قال الجمهور إذا رأت أول نقطة من الحيضة الثالثة
خرجت من العدة بعد التحقق أنه دم حيض.. (لأن) الحمل لا يكون إلا مع انقطاع
الحيض.
ورغم تباين اجتهادات الفقهاء في الاستدلال فإن "براءة الأرحام" متحققة في
كافة الأحوال لأن عدة الحمل تعتبر لأدنى قرينة ولذا قالوا "الحد مبناه على
الإسقاط والعدة على الاحتياط" أي تدرء الحدود بالشبهات فلا يعاقب بريء
بينما يعتبر الحمل بالشبهة فلا تختلط الأنساب، واعتبار أي من قرائن الحمل
وخاصة انقطاع الحيض يمنع ذوات الدورات القصيرة من الإفلات وكل اجتهاد يمكن
اعتباره تجاوزاً لمدة العدة في النص الوثيق للقرآن فهو في جهة الاحتياط،
ولن يحدث حمل عادة وفق تقدير الله لوظيفة الإنجاب إلا بوقاع مثمر في منتصف
الدورات، والفقهاء يحددون بداية الاعتداد منذ وقوع حادثة الفراق أي الطلاق
أو الإيلاء أو وفاة الزوج، فإذا تخلف الفرق عن يوم الوقاع المثمر ظهر الحمل
قبل نهاية العدة ومدة التخلف احتياط وإذا وافق الوقاع المثمر بدء الفراق
ظهر الحمل وتطابقت مواعيد علاماته مع مواعيد الاعتداد.
وأظهر علامة على الحمل بيقين هي الوضع ومعاينة الجنين التي لا يدخل معها
أدنى احتمال، والوضع مقدر المدة في الغالب كبقية العلامات وكل اجتهاد
تجاوزها لا يمكن نسبته إلى القرآن لجزمه بأن استقرار الجنين مرهون بمدة
مقدرة: (وَنُقِرّ فِي الأرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىَ أَجَلٍ مّسَمّى ثُمّ
نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) (الحج: 5)، ومثله (أَلَمْ نَخْلُقكّم مّن مّآءٍ
مّهِينٍ، فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مّكِينٍ، إِلَىَ قَدَرٍ
مّعْلُومٍ)(المرسلات20-22)، وتوحيد أجل الحمل إلى (أجل مسمى) أو تقدير مدته
هو الأوفق لبيان وحدة تقدير الحمل في مراحل وآليات واحدة ناسبها إفراد
كلمة (طفلا) ولا ضمان بعدها على سلامة الجنين، وبالفعل كما يقر المختصون أن
المعتاد مدة واحدة: 38أسبوعاً (+أو- أسبوعين) والجنين بعدها معرض للخطر
والهلاك وهو ما تحقق منه علماء الطب في العصر الحديث.
إن تشريع العدة في القرآن ليس له نظير في كل حضارات العالم القديمة ومدونات
الأديان وأحكام العدة عالمية باقية لأنها توافق طبيعة التكوين الواحدة
لتؤيد أن نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - خاتمة، ويكفي التطابق التام بين
مواعيد ظهور علامات الحمل القاطعة كما قررها العلم الحديث ومواعيد
الاعتداد التي جاءت بها النصوص كبينة على التنزيل لأن الدلالات العلمية
وخاصة الرقمية حاسمة لا تحتاج لقريحة ذات ذوق مخصوص لتدركها، لذا فمواعيد
العدة في القرآن الكريم درس فريد في المعرفة والتوحيد يكفي وحده ليقطع بأن
(تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (الزمر1 الجاثية2
الأحقاف2)
بقي الاعتقاد منذ عهد أرسطو في القرن الرابع الميلادي (384 - 322 ق. م)
ولعدة قرون بفكرة التولد الذاتي للجنين من دم الحيض بناء على توهم تولد
العفن من غير سبب، وبعد اكتشاف المجهر في القرن السابع عشر أعلن هار في عام
1651م أن الأجنة إفرازات من الرحم لعدم تمكنه من رؤية المراحل الأولى
لتكونها، ولكن اكتشاف جراف عام 1672م لحويصلة المبيض التي سميت باسمها
واكتشاف أجسام في أرحام الأرانب بدت شبيهة لأجنة حديثة قد جعله يستبعد
علاقتها بالرحم ويعلن علاقتها بالمبيض الذي سماه خصية المرأة، واكتشف لويس
باستير في القرن التاسع عشر (1864) أن العفن سببه كائنات دقيقة مُيزت
فصائلها بأسماء متنوعة مما أدى إلى القضاء على وهم التولد ذاتياً للكائنات
الحية، وهكذا أخذت المعرفة البشرية تتطور شيئاً فشيئاً حتى عُرف الكثير عن
آلية الإنجاب وعرفت علاقة الدورة الرحمية بدورة المبيض وتأكد وقوع الإخصاب
في منتصف الدورات، ولم يكن أحد يعلم زمن التنزيل شيئاً عن آلية التبويض
والإنجاب بل اعتبرت إمكانية الحمل قائمة حتى في الحيض وإذا إجتنب الحيض فهو
للتوهم بأفضلية الابن ثمرة الطهر، ولم يكن أحد يعلم زمن الإخصاب ولا يدرك
أن ظهور الحمل موعده بعد ثلاث دورات معتادة وأن الحامل تبدأ استشعار حركة
الجنين في العادة بعد أربعة أشهر تماماً من الواقع المثمر.
وفي تشريع حكيم يعالج القرآن عدة حالات اجتماعية ويحدد مواعيد ظهور علامات
الحمل واستيفاء أدلة تنفيه وفق مصطلح الفقهاء "براءة الأرحام"ويوزعها بما
يناسب أحوال النساء:
(1) حالة المطلقات ذوات دورة الحيض المنتظمة المعتادة المعبر عنها بالقروء:
(وَالْمُطَلّقَاتُ يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ
يَحِلّ لَهُنّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِيَ أَرْحَامِهِنّ)
(البقرة288)، والتربص يعني الترقب ويتعلق هنا بعلامة تؤيد وقوع الحمل: (ما
خلق الله في أرحامهن) ومع انقطاع الحيض والعلامات الثانوية يتأكد الحمل
بنمو الرحم وبروز البطن بعد ثلاث دورات معتادة، أي: ما يقارب ثلاثة أشهر،
وهي الغالب في المدة التي تحصل فيها ثلاثة قروء عملا بالغالب دون النادر
والمدة الغالبة لدورة الحيض: 4(3-5) أسابيع.
(2) حالة اليائسات من استمرار الحيض والصغيرات اللائي لم يحضن، كما قال -
تعالى -: (وَاللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نّسَآئِكُمْ إِنِ
ارْتَبْتُمْ فَعِدّتُهُنّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاّتِي لَمْ يَحِضْنَ)
(الطلاق4)، والحمل ممكن وإن كان نادراً في حالة اضطراب الحيض عند سن الكمال
(اليأس) وعند البلوغ ولا توجد في تلك الحالات دورات حيض منتظمة فاستبدل
القرآن مدة الأقراء بقيمة مماثلة وهي ثلاثة أشهر.
(3) حالة وفاة الزوج: (وَالّذِينَ يُتَوَفّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ
أَزْوَاجاً يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً)
(البقرة234)، وبالفعل تبدأ الحامل في الغالب أول شعورها بحركة الجنين الذي
بعد أربعة أشهر منذ يوم الإخصاب الذي لم يكن يدرك أحد وقوعه في منتصف
الدورات، وللتباين في الخبرات قد يتأخر قليلاً بدء من شعور الحوامل بحركة
الجنين عند موعده وهو (أربعة أشهر) وهنا أضيفت للمدة الغالبة مدة كافية هي
عشرة أيام، قال ابن عاشور: "جعل الله عدة الوفاة منوطة بالأمد الذي في مثلة
يتحرك الجنين تحركاً بيناً".
والزيادة في عدة الوفاة عن الأشهر في عدة الطلاق تكشف قصد الاحتياط، ومع
الاكتفاء بثلاثة قروء، أو أشهر؛ لاستيفاء دلائل نفي حمل المطلقات قد شدد
القرآن على التيقن التام من استكمال مدة عدتهن بالأمر الصريح موجها الخطاب
إلى النبي محمد صلى الله عيه وسلم وسائر المسلمين: (يَأيّهَا النّبِيّ
إِذَا طَلّقْتُمُ النّسَآءَ فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ وَأَحْصُواْ
الْعِدّةَ) (الطلاق1)، والمراجعة من أغراض الانتظار للتعقيب بعده: (لاَ
تَدْرِى لَعَلّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) الطلاق 1، وهي تكشف
قصد الإصلاح وحفظ الأسرة من الانهيار وضمان المأوى الصالح لتربية الأبناء.
قال الشيخ بن عاشور: "الغرض الأول من العدة هو تحقيق براءة الرحم وضم إلى
ذلك غرض آخر هو ترقيب المراجعة فلما حصل الأهم (وهو هنا تحقيق براءة الرحم
بانتهاء عدة المطلقة) أُلغي ما عداه (المراجعة) مراعاة لحق المرأة في
الانطلاق من حرج الانتظار".
والعلة الأولى لتشريع العدة في حالات إمكانية الإنجاب بعد المفارقة بالطلاق
أو الوفاة هي منع اختلاط الأنساب ولذا اقترنت حالة زواج المرأة بآخر
بالمنع إلا باستيفاء أدلة نفي وقوع الحمل من زوجها الأول: (وَلاَ
تَعْزِمُوَاْ عُقْدَةَ النّكَاحِ حَتّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ
أَجَلَهُ)(البقرة235)، والكتاب أي المكتوب تصوير لوحدة التقدير، ولذا لا
عدة بلا معاشرة: (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِذَا نَكَحْتُمُ
الْمُؤْمِنَاتِ ثُمّ طَلّقْتُمُوهُنّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسّوهُنّ فَمَا
لَكُمْ عَلَيْهِنّ مِنْ عِدّةٍ تَعْتَدّونَهَا)(الأحزاب49)، بينما تمتد
العدة عند الحمل حتى الوضع: (وَأُوْلاَتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنّ أَن
يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ)(الطلاق4)، وبهذا تبين أن العلة في تشريع العدة تتباين
وتتعدد فهي ليست مقصورة فقط على براءة الرحم وإنما يراد منها أيضاء
إمكانية المراجعة في حالة الطلاق والوفاء للزوج الميت، ولهذا فإن المعرفة
بثبوت أو بنفي الحمل مبكراً بالوسائل الحديثة لا يعني توقف العمل به.
الأحداث الرحمية في الدورة النموذجية (سنيل 1975 ص 18، لانجمان 1981 ص 30).
في الدورة النوذجية (28 يوماً) يبدأ الدورة الرحمية مع بدء الدورة
المبيضية منذ اليوم الأول للحيض الذي يستمر لمدة أربعة أيام بانهيار الطبقة
السطحية للبطانة الرحمية، ثم يليه بدء تجددها، ويقع التبويض في اليوم 14
ويقع الإخصاب في نفس اليوم؛ لأن القابلية للإخصاب أقل من يوم.
ومدة الحمل منذ الإخصاب266 يوما وكما يقول البروفسير كيث مور في كتابه
(تطور الجنين ص9): يتوقع الوضع بعد147 (+أو-15) يوماً منذ الشعور بحركة
الجنين، فتكون الفترة السابقة على حركة الجنين118 (266-148) يوماً وهي نفس
الفترة في القرآن بالعمر الجنيني: مدة أربعة أشهر =4x29.5=118 يوماً، وهي
نفس المدة علمياً لرصد حركة الجنين.
موعد التبويض في الدورات الحيضية: يحدث التبويض غالباً في منتصف الدورات
النموذجية (اليوم 14) وكقاعدة عامة مهما اختلف طول الدورات يحدث التبويض
قبل اليوم المتوقع لحيض الدورة التالية بأسبوعين كفترة ويرجع الاختلاف في
موعد التبويض إلى الفترة قبل التبويض لذا فهو يقع في اليوم 14 (7-21) يوماً
(علم الولادة وليام 1994 ص 49)، ويظهر الحمل بشعور المرأة بالثقل، ونمو
البطن؛ ليؤيد انقطاع الحيض، والعلامات الثانوية في نهاية ثلاث دورات حيض
منتظمة معتادة (12أسبوعاً) قد عبر عنها القرآن بثلاثة قروء وبهذا يسبق
القرآن في اعتماد العمر الحيضي للحمل بالإضافة إلى اعتماد العمر الجنيني:
مدة 3 قروء = 3x28=84 يوماً (من بدء آخر حيضة). 12أسبوعاً= 84 =7x12 يوماً
(منذ بدء آخر حيضة)، وهذا الاتفاق التام يعنينا في ترجيح معنى القرء: "هل
القرء يراد به الحيض أم الطهر؟ " خصوصاً أنه يعني لغة دورة فيشملهما، ولذا
استبدل بالشهر في اليائسات وهو دورة مدتها مماثلة للقرء.
قال ابن عطية الأندلسي (المتوفى سنه546هـ) "القرء في اللغة هو الوقت
المعتاد تردده"، وقال بن منظور (المتوفى سنة711هـ): "الأصل في القرء الوقت
المعلوم (للتكرار بانتظام)؛ لأن قرء الفرس هو أيام سفادها، وأقرأت الرياح
أي هبت لأوانها، وأقرأت المرأة إذا حاضت" وقال السمين الحلبي (المتوفى سنة
756هـ): "قيل في الحيض قرء وفي الطهر قرء لأنهما يرجعان لوقت معلوم" (ولكن)
قال الراغب القرء في الحقيقة اسم للدخول في الحيض عن طهر وليس القرء اسماً
للطهر مجرداً ولا للحيض مجردا بدلالة أن الطاهر التي لم ترى الدم لا يقال
لها ذات الاقراء (فبدء الحيض إذن هو بدء للأقرء) وكذا الحائض التي استمر
بها الدم والنفساء لا يقال لها ذلك وقوله - تعالى -: (ثلاثة قروء) أي ثلاثة
دخول من الطهر في الحيض وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "اقعدي عن الصلاة
أيام أقرائك" أي أيام حيضك (وهو الدليل على أن الحيض هو بداية الأقراء)
وإنما هو كقول القائل افعل ذلك أيام ورود فلان ووروده (المتكرر بانتظام)
إنما يكون في ساعة..وقول أهل اللغة أن القرء من الجمع لأنهم اعتبروا الجمع
بين زمن الطهر والحيض.
والحاصل كما يقول الشيخ ابن عاشور أن: "الطهر الذي طلقت فيه هو مبدأ
الاعتداد وهو قول جميع الفقهاء (عدا ابن شهاب).. والطلاق لا يكون إلا في
طهر عند الجميع (والمستند هو أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بمراجعة ابن
عمر امرأته حتى الطهر).. وهم متفقون على أن الطهر الذي وقع الطلاق فيه
معدود في الثلاثة قروء.. قال الجمهور إذا رأت أول نقطة من الحيضة الثالثة
خرجت من العدة بعد التحقق أنه دم حيض.. (لأن) الحمل لا يكون إلا مع انقطاع
الحيض.
ورغم تباين اجتهادات الفقهاء في الاستدلال فإن "براءة الأرحام" متحققة في
كافة الأحوال لأن عدة الحمل تعتبر لأدنى قرينة ولذا قالوا "الحد مبناه على
الإسقاط والعدة على الاحتياط" أي تدرء الحدود بالشبهات فلا يعاقب بريء
بينما يعتبر الحمل بالشبهة فلا تختلط الأنساب، واعتبار أي من قرائن الحمل
وخاصة انقطاع الحيض يمنع ذوات الدورات القصيرة من الإفلات وكل اجتهاد يمكن
اعتباره تجاوزاً لمدة العدة في النص الوثيق للقرآن فهو في جهة الاحتياط،
ولن يحدث حمل عادة وفق تقدير الله لوظيفة الإنجاب إلا بوقاع مثمر في منتصف
الدورات، والفقهاء يحددون بداية الاعتداد منذ وقوع حادثة الفراق أي الطلاق
أو الإيلاء أو وفاة الزوج، فإذا تخلف الفرق عن يوم الوقاع المثمر ظهر الحمل
قبل نهاية العدة ومدة التخلف احتياط وإذا وافق الوقاع المثمر بدء الفراق
ظهر الحمل وتطابقت مواعيد علاماته مع مواعيد الاعتداد.
وأظهر علامة على الحمل بيقين هي الوضع ومعاينة الجنين التي لا يدخل معها
أدنى احتمال، والوضع مقدر المدة في الغالب كبقية العلامات وكل اجتهاد
تجاوزها لا يمكن نسبته إلى القرآن لجزمه بأن استقرار الجنين مرهون بمدة
مقدرة: (وَنُقِرّ فِي الأرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىَ أَجَلٍ مّسَمّى ثُمّ
نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) (الحج: 5)، ومثله (أَلَمْ نَخْلُقكّم مّن مّآءٍ
مّهِينٍ، فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مّكِينٍ، إِلَىَ قَدَرٍ
مّعْلُومٍ)(المرسلات20-22)، وتوحيد أجل الحمل إلى (أجل مسمى) أو تقدير مدته
هو الأوفق لبيان وحدة تقدير الحمل في مراحل وآليات واحدة ناسبها إفراد
كلمة (طفلا) ولا ضمان بعدها على سلامة الجنين، وبالفعل كما يقر المختصون أن
المعتاد مدة واحدة: 38أسبوعاً (+أو- أسبوعين) والجنين بعدها معرض للخطر
والهلاك وهو ما تحقق منه علماء الطب في العصر الحديث.
إن تشريع العدة في القرآن ليس له نظير في كل حضارات العالم القديمة ومدونات
الأديان وأحكام العدة عالمية باقية لأنها توافق طبيعة التكوين الواحدة
لتؤيد أن نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - خاتمة، ويكفي التطابق التام بين
مواعيد ظهور علامات الحمل القاطعة كما قررها العلم الحديث ومواعيد
الاعتداد التي جاءت بها النصوص كبينة على التنزيل لأن الدلالات العلمية
وخاصة الرقمية حاسمة لا تحتاج لقريحة ذات ذوق مخصوص لتدركها، لذا فمواعيد
العدة في القرآن الكريم درس فريد في المعرفة والتوحيد يكفي وحده ليقطع بأن
(تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (الزمر1 الجاثية2
الأحقاف2)