قوامة الرجل على المرأة مسئولية وليست امتيازا!
جرت بعض التصورات والأفكار على الربط بين عمل المرأة
وقوامة الرجل، بأن قوامة الرجل تقوم على حاجة المرأة لأن يعولها وينفق
عليها، فإذا أصبحت قادرة على إكتساب المال وإعالة نفسها انتقي المبرر
لقوامة الرجل عليها، ولا تعود ملزمة بالإطاعة لإدارته الأسرية.
وحيث أن
قضية القوامة قضية تشريعية جاء بفرضها نص القرآن الكريم، نعود لآيات الله
لاستبانة مدى صحة هذه التصورات. يقول تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما
فضّل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم)، فالآية الكريمة تنص
بالقوامة للرجل على المرأة لإعتبارين:
الأول: التكوين الطبيعي لكل من
الرجل والمرأة (بما فضل الله بعضهم على بعض)، والثاني: التزام الرجل
بالنفقة (وبما أنفقوا من أموالهم). فالاعتبار الأول يضع في حسابه أن سرعة
إنفعال المرأة تجعلها أقل تحملاً من الرجل، وأسرع تصدعاً حينما تواجه
الشدائد والمسؤوليات الكبيرة، كما أن طبيعتها العاطفية تسبب في الغالب
افتقارها للموضوعية أكثر منه في المواقف من الأحداث والمشاكل. وأما هو من
الناحية النفسية أشد بأساً منها في مواجهة الصعاب، وأقل إرتباكاً وتهيجاً،
كما أنه أقل تعرّضاً للمؤثرات والضغوط العاطفية مما يوفر له الطابع
العقلاني إلى حد كبير في معالجته للأمور وإتخاذه للمواقف. فنحن في الحديث
إزاء فردين مختلفين يشكلان وحدة اجتماعية، يراد لها لكي تحقق أهدافها أن
تكون وحدة منظمة وكاي وحدة من هذا النوع، وبمقتضى سنة الله في الحياة لابد
وأن يختار منها مدير لينظم شؤونها، كما يختار للدولة رئيساً وللمدرسة
ناظراً وللشركة مديراً. فأي منهما يختار للإدارة، هل الرجل الأقوى نفساً
وجسداً أم المرأة الأقل منه قوة في الإثنين، هل الرجل الأكثر موضوعية تجاه
القضايا والأمور أم المرأة العاطفية. إن العقل يقرّ ويؤمن بحكمة الله فيما
قدر وقضى، فالرجل هو الأصلح والأكفأ لإدارة الأسرة. والأقوال التي تدعم
التصور غير السليم للقوامة فتنادي برفعها عن المرأة لايصح أن يصل بها الحال
إلى إيجاد قوامتين في الأسرة، واحدة للرجل وأخرى للمرأة، فالواقع يحكم بأن
وجود مديرين للعمل الواحد مفسد له، فلا يمكن أن نتصور دولة برئيسين، أو
مدرسة بناظرين، وهذا ما تبينه الآيات الكريمة: (لو كان فيهما آلهة إلا الله
لفسدتا)، و(إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض)، و)علم النفس
يقرر أن الأطفال الذين يتربون في ظل أبوين ينتازعان على السيادة، تكون
عواطفهم مختلة، وتكثر في نفوسهم العقد والاضطرابات).
والسبب الثاني
للقوامة يبين إلتزام الرجل بالنفقة على أسرته إلتزاماً لايرفعه غنى الزوجة
ولا اكتسابها المالي بعمل، فالرجل في جميع هذه الأحوال يجب عليه النفقة على
زوجته وأولاده، وهي غير مطالبة أن تنفق على الأسرة أي شيء من مالها الشخصي
قل أو كثر. وطبيعي أن يسهم التزام الرجل بالنفقة في إحقاق القوامة له، لأن
من يتكلّف الإنفاق على مشروع ما أحق من غيره بالإشراف عليه.
وهكذا يتضح أن قوامة الرجل على المرأة قوامة ثابتة ثبوت الحياة، لايلغيها خروجها للعمل ولا أي تغير في أوضاعنا الحضارية.
وقوامة
الرجل على المرأة لاتعني أنه أفضل منها في دين أو دنيا، ولا تعني أن
المرأة ناقصة محتقرة، فقوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله
بعضهم على بعض) يعني أن الرجل هو المفضل ليكون إداري الأسرة بما وفر الله
فيه من استعدادات طبيعية لهذا الدور لاتتوفر للمرأة، وكما أن الرجل في آية
القوامة مفضل للإدارة فإن المرأة مفضلة لمهمة أخرى كوّنها الله وأعدّها لها
أفضل الإعداد، فالمسألة ليست مسألة تفاضل في القيمة الإنسانية، ولكنها
تنظيم حكيم وتوزيع للأدوار والمهام على أساس الصلاحية التكوينية، ومما يروى
أن أم سلمة (رضي الله عنها) قالت ونسوة معها: ليت الله كتب علينا الجهاد
كما كتبه على الرجال فيكون لنا من الأجر مثل ما لهم، فنزلت الآية (ولا
تتمنوا ما فضل الله به وبعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء
نصيب مما اكتسبن وسئلوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليماً). فلا
يتمني الرجال والنساء كل منهم دور الآخر، بل ليعمل كل منهم في دوره
مستعملاً كفاءاته الطبيعية التي خلقت لهذا الدور، وكل منهم مشكور على عمله
بمقدار ما يبذل فيه من جهد وإخلاص (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل
منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض).
وإدارة الرجل للمرأة لاتعني أن يكون
مستبداً بها، فإن أكرم الأزواج عند الله وخيرهم من يكرم زوجته ويتعامل
معها بروح التفاهم والتعاطف والرحمة، كما يفيدنا الحديث الشريف (أكمل
المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً، وخياركم لنسائهم).
إن المفهوم الغربي
للمساواة قد أغفل الإختلاف الواقعي بين الرجل والمرأة. وفي هذا يقول
الدكتور الكسيس كاريل أستاذ الطب الحديث في كتابه (الإنسان ذلك المجهول):
(في أوروبا غلطنا عندما اعتبرنا أن الرجل والمرأة من تركيب واحد، هما
مختلفان ويجب أن تتوزع المسؤوليات)، و(الحقيقة أن المرأة تختلف اختلافاً
كبيراً عن الرجل، فكان خلية من خلايا جسمها تحمل طابع جنسها والأمر نفسه
صحيح بالنسبة لأعضائها، وفوق كل شيء بالنسبة لجهازها العصبي فالقوانين
الفسيولوجية غير قابلة للين، مثل قوانين العالم الكوكبي، فليس في الإمكان
إحلال الرغبات الإنسانية محلها. ومن ثم فنحن مضطرون إلى قبولها كما هي.
فعلى النساء أن ينمين أهليتهن تبعاً لطبيعتهن من غير أن يحاولن تقليد
الذكور، فإن دورهن في تقدم الحضارة أسمى من دور الرجال، فيجب عليهن ألا
يتخلين عن وظائفهن المحدودة).
وفي الواقع أن ما تطلبه المساواة الغربية
للمرة ليس بمساواة حقيقية، فالمساواة الحقيقية أن تختلف حقوقهما وواجباتهما
بما يتفق مع التكوين الطبيعي لكل منهما. وهذا عين ما فعله الإسلام العادل
حينما قسم المهام بين الرجل والمرأة قسمتين متساويتين في القيمة ومختلفتين
في الشكل، واضعاً كل منهما في موضعه من بناء الأسرة. والإسلام حينما لم يجب
على المرأة تربية أطفالها، ترك الأمر للتفاهم الودي بين الزوجين ولتطوع
المرأة الإنساني إستجابة لغريزة الأمومة القوية، والتي لو خليّ لها السبيل
لتعبر عن نفسها في أجواء إجتماعية سليمة وبلا ضغوط معاكسة لما تخلت أم عن
احتضان أطفالها وتربيتهم متسامية في عطائها ونبلها فوق حدود الواجب.
لقد
ظلمت الحضارة الغربية المرأة بالمشابهة التي أرادتها لها، وحملتها بها فوق
وظيفتها الثقيلة أثقالاً من الإجهاد والإرهاق، وأخرجتها من مجالها
الطبيعي، فسجلت بذلك على نفسها أكبر خسارة، إذ فقدت الأسرة الأوروبية
تماسكها بفقدانها المرأة الأسروية، وفسدت نفوس الأبناء وأخلاقهم بحرمانهم
من حنان الأمومة ورعايتها المخلصة، فأصبحوا فريسة سهلة للقلق القاسي واليأس
والإنحراف. فالإسلام هو المنهج الوحيد الذي يضمن للمرأة المساواة الفعلية
بالرجل آخذاً في اعتباره وعنايته فطرة كل منهما وقابلياته الأصيلة، وحيث أن
الفطرة من صنع الله فهي ثابتة لاتتبدل كقوانينه الطبيعية الأخرى التي
نعيشها ولا نملك تغييرها (فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس
عليها لا تبديل لخلق الله). وخروجنا على قوانين فطرتنا لانجني منه إلا
النتائج السلبية والأوضاع السيئة الشاذة.
سؤالي الموجه الى الأعضاء و القراء_________هل ترضى الامرأة بهده القوامة في وقتنا الحاضر؟