ماهو
شعورك لو شاهدت رجلا طاعنا في السن يحاول حمل صناديق ثقيلة ثم يقع أرضا؟،
ألن تهب لمساعدته؟، هل تتذكر جدك الذي كان رجلا مليئا بالعنفوان ثم أصبح
كائنا منحنيا لا يستطيع السيطرة على خطواته البطيئة؟، هل تظن أنه إذا أمد
الله في عمرك لن يضعف بصرك ويتسلل الوهن إلى عظامك وتصبح في حاجة إلى من
يساعدك على لبس ثيابك؟
أعرف أن
مثل هذا الحديث (يسد النفس) في الصباح الباكر، ولكن لو تأملنا في تعامل بعض
الإدارات والمؤسسات مع المسنين لأدركنا أننا نعيش في زمن صعب،
حين تشاهد الواحد منهم يجاهد كي يبقى في الطابور الفوضوي، ثم يرفض الموظف
أوراقه لأنها ناقصة، فيردد هذا الشيخ كلمات أقرب ما تكون إلى التوسل، تشعر
رغما عنك أنك يوما ستكون في هذا الموقف.
قبل
أسابيع كتب لي أحد كبار السن ــ بواسطة ولده ــ رسالة حول معاناته مع دائرة
يتكون مبناها من 18 طابقا دائما ما يرفض موظفوها الرد على أسئلته رغم أنه
مريض في القلب، وإذا ذكر لهم أن حالته الصحية لا تساعده على مطاردة أوراقه
في هذه الأدوار يجد الإجابة ذاتها: (الله يشفيك.. بس هذا النظام)!.
أما فارس.. فيروي مأساة والد زوجته وهو شيخ كبير لا يدرك من
أمر نفسه شيئا وليس لديه أبناء ذكور، سرقت سيارة هذا العجوز في يوم من
الأيام، فذهب فارس إلى قسم الشرطة لتسجيل بلاغ ولكن الضابط طلب حضور صاحب
السيارة شخصيا رغم ما ذكره فارس له عن حالته الصعبة، وحين حمله فارس بيديه
وأركبه السيارة ووصل إلى قسم الشرطة، رفض الضابط الذهاب إلى سيارة فارس
وأصر أن يحضر هذا العجوز إليه لتسجيل البلاغ.
مثل هذه
القصص والحكايات نتيجتها واحدة وهي أن من يمد الله في عمره ويصل إلى هذه
المرحلة سوف يواجه المعاملة ذاتها لأنه شارك فيها أو قبل بها في يوم من
الأيام، فالتعامل الرحيم والخاص مع المسنين لا يكون بسبب الدافع الأخلاقي
والإنساني فقط بل هو أيضا حماية للذات حين يشيب الشعر ويضعف البصر!.
:::