كانت النفوس تشعر بسمو إيماني عالي، كنتيجة طبيبعة لتلك الأجواء الإيمانية،
التي تيسرت معها العديد من الطاعات، ونحن في معسكر تربوي غير اعتيادي، لم
نشارك فيه عن رغبة منا!! بل ولم نكن نحن المنظمين له أو المشرفين عليه!!
وإنما كانت أجهزة أمن الدولة التي كدست فيه مئات الآلاف من المعتقلين الإسلاميين بعد أحداث مقتل السادات، إنه معتقل سجن طره!!
ومع مرور الوقت، بدأ المعتقل يخلو شيئاً فشيئاً؛ حتى ما بقي فيه سوى من
ينتظر مواجهة المحاكمات، وفي خضم تهيئة النفوس لأحكام الإعدام أو السجن
لمدد طويلة، تعلقت النفوس ببارئها، وأصبح كل واحد يراقب أعماله في كل شاردة
وواردة، فرهفت القلوب، وسمت النفوس؛ وزكت الأرواح.
وفي يوم من الأيام، سمحو للجميع بالخروج والتريض على غير المعتاد، بل وعمل
إفطار جماعي، فكان في ذلك بعض التنفيث على النفوس، ووقف أحدهم بالدور
العلوي على طرف السلم، وكان بدين الجسد، فقال له أخوه مازحاً من الدور
السفلي: (احذر حتى لا تأخذ الدور الثالث وتنزل به علينا!!) وسرعان ما خرجت
من الأخ الذي بجواره كلمة : (اتق الله ولا تمزح إلا حقاً)!!
نظر إليه القائل - وكان شيخاً له قدره في العلم والدعوة - نظرة تأمل وإعجاب
قائلاً : صدقت أخي الحبيب وجزاك الله خيراً، ولكن يبدو أن مرآة قلبك اليوم
صافية بشدة؛ لذا فلم تقبل مثل هذه المخالفة، أضاء الله قلبك، وأنار دربك.
علقت بذهني عبارة (مرآة قلبك) وأحسست بالفعل أن للقلب مرآة؛ تعكس الصورة
حسب نظافتها ونقائها من الشوائب، أما إذا تراكم عليها الغبار، فإن الغبش
سوف يطمس الرؤيا، أو يكاد يحول دونها تماماً!!
ليبقى السؤال الذي يجب أن يوجهه كل واحد منا لنفسه؟!
هل استشعرت يوماً حال مرآة قلبك؟!
هل باستطاعتك استشعار معيار الران الذي تراكم على قلبك ؟!
إن مجرد استشعار العبد لمقدار الحياة في قلبه، أو مقدار ما أصابه من مرض أو
علة، ليعتبر مؤشراً مقبولاً يدل على وجود روحٍ تنبض بالحياة فيه، أما لو
لم يستشعر أي شيء من ذلك البتة، فإن السؤال الأولى في حقه حينئذٍ سيكون :
هل لديك مرآة؟! أو إن شئت فقل : هل لديك قلبٌ أصلاً؟!
تحياتي