أخي المسلم:
في هذه الدنيا سوقان.. سوق فانية، بضائعها وما فيها انما هو للتمتع في هذه الدنيا أياما معدودة وهي سوق يغشاها الصغير والكبير ويتنافس في حطامها الجميع.
وأما السوق الأخرى، فهي: السوق الباقية.. بضاعتها: طاعة الله تعالى.. وذكره تبارك وتعالى: المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا [الكهف:46].
أخي: وكم هو غريب أن هذه السوق لا يغشاها الا القليلون وأما أكثر العباد فقد غفلوا عن بضاعتها.
أخي: كم هو محروم من أقبل على تلك السوق الفانية وغفل عن هذه السوق الباقية.. وما علم هذا المحروم ومن هو مثله في الحرمان أنه سيأتي يوم تصبح فيه بضائع هذه السوق الباقية في غاية الغلاء بل لا يحصلها الا من أخذ حظه قبل الممات.. تلك هي التجارة الرابحة ( تجارة الأعمال الصالحة ) فأين أنت منها؟.
أخي: اياك أن تكون من أولئك الذين أتقنوا التجارة في متاع الدنيا الزائل.. وفشلوا في التجارة الرابحة.. والبضاعة النفيسة ( الأعمال الصالحة ).
أخي.. أتاك شهر التجارة الرابحة
أخي المسلم: ها أنت تستقبل شهر الرحمة.. والغفران.. شهر موسم الصالحات..
أخي: هل أنت من المبادرين الى الخيرات؟ وأنت تستنشق عبير الشهر الزاكي ( شهر رمضان ) أخي: المبادرة الى الخيرات والصالحات كنز غال قليل أولئك الذين عرفوا غلاء قيمته..
أخي: ( كم يضيع الأدمي من ساعات يفوته فيها الثواب الجزيل وهذه الأيام مثل المزرعة، فكأنه قيل للانسان: كلما بذرت حبة أخرجنا لك ألف كر ( مكيال ضخم ) فهل يجوز للعاقل أن يتوقف في البذر ويتوانى؟ ) ابن الجوزي
أخي: العجل... العجل.. البذار..البذار.. قبل حلول قاطع الأعمار.. وهاذم اللذاذات والأوطار.. ( الموت )
وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين [آل عمران:133].
قال سعيد بن جبير ( رحمه الله): سارعوا بالأعمال الصالحة ( الى مغفرة من ربكم ) قال:لذنوبكم.
قال رسول الله :** بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا } [رواه مسلم].
أخي في الله: أتاك شهر رمضان.. شهر سوق الأعمال الصالحة قائمة فيه.. فبادر أخي.. وسارع في اغتنام أيامه.. لعلك لا تحيا لتدرك رمضان آخر.. قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: ( كل شيء من الخير يبادر به ). أخي: هي أيام الطاعات.. فلا تنقضي وحظك منها قليلا.. فاياك أن تكون غدا من النادمين على ضياعها.. فلا تخلطنها بدنس المعاصي..
من فاته الزرع في وقت البذار فما
تراه يحصد الا الهم والندما
طوبى لمن كانت التقوى بضاعته
في شهره وبحبل الله معتصما
غنيمة رمضان الغالية... العشر الأواخر
أخي المسلم: يمر شهر رمضان المبارك بخيراته.. ونفحاته.. ويحمل بين طياته تلك اللؤلؤة النادرة في عقده النفيس.. ( العشر الأواخر )
قيا لله وما فيها من الخيرات ويا لله وما فيها من البركات
أخي: لقد كان الصالحون يعدون الأيام عدا.. شوقا لذلك الذيل الزاهي.. والخاتمة العطرة.. ( العشر الأواخر من رمضان )
قال الامام ابن رجب ( رحمه الله ): المحبون تطول عليهم الليالي فيعدونها عدا لانتظار ليالي العشر في كل عام، فاذا ظفروا بها نالوا مطلوبهم، وخدموا محبوبهم.)
أخي المسلم: هاهو رمضان يمر عليك في كل عام.. وأنت فيه على احدى الحالين: اما أن تكون من المتزودين من خيراته ونفحاته.. الفائزين بثمرته الغالية ( العتق من النار ) واما أن تكون من المحرومين.. الغافلين.. الذين انصرم رمضان ولم يتزودوا من نفحاته ومن كان هذا حاله فهو المحروم حقاً
أخي: ان أغلى ما في هذا الشهر المبارك تلك الايام المباركة ( العشر الأواخر ) وأغلى شيء في ( العشر الأواخر ) تلك الليلة الجليلة ( ليلة القدر )
عن أنس بن مالك ( ) قال: دخل رمضان فقال رسول الله : " ان هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر من حرمها فقد حرم الخير كله ولا يحرم خيرها الا محروم " رواه ابن ماجه/ صحيح الترغيب: 986
أخي المسلم: تلك هي ( العشر الأواخر ) من شهر الرحمة.. والغفران.. من فاز بنفحاتها فهو الفائز حقا.. المفلح حقا.. السعيد حقا..
كيف تحيا في نفحات العشر الأواخر من رمضان؟
أخي المسلم: ان لتلك العشر الأواخر بهاء وسناء الأيام الطاهرة اللذان جعلهما الله تعالى لتلك المواسم الصالحة شهر رمضان.. يوم الجمعة.. أيام العشر من ذي الحجة..يوم عرفة... شهر الله المحرم.. يوم عاشوراء..
أخي:تلك هي مواسم الطاعات تمر عليك في كل عام فهل تذكرت شرفها؟ هل غنمت الصالحات فيها؟
أخي: هناك الكثيرون من الناس تمر عليهم هذه المواسم وهم غافلون عن شرفها وفضلها ولا تجد فيهم من يحاسب نفسه على تفريطها واضاعتها لخيرات تلك المواسم، ولكن تجد هذا المحروم عارفا.. متيقظا لكل مال يدخل جيبه متى دخل؟ ومتى خرج؟ وكم كان مقداره؟ وكم بقي منه؟
أخي: هاهي أيام العشر الفاضلة تزف اليك لتقول لك: خذ نصيبك مني قبل أن أرحل
أخي: لقد مرت عليك هذه الغنيمة الباردة كثيرا فكيف كنت تحيا أيامها؟ هل كنت فيها من العابدين المجتهدين؟ هل كنت فيها من المنقطعين عن الدنيا؟
أخي المسلم: ان أيام العشر الأواخر من هذا الشهر المبارك أيام جعلها الله تعالى فرصة للعباد.. ليدركوا بها الدرجات العالية عنده.. وينالوا بها خير الدنيا والاخرة..
أخي: فلا غرابة اذا كان هذا حالها أن يجتهد فيها نبينا ما لا يجتهده في غيرها من الايام وهو الذي قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تاخر.
عن عائشة ( رضي الله عنها ) قالت: "كان رسول الله اذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد المئزر " رواه البخاري ومسلم وفي رواية لمسلم: عن عائشة ( رضي الله عنها ): " كان رسول الله يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره "
قال الامام ابن حجر ( رحمه الله ): ( وفي الحديث الحرص على مداومة القيام في العشر الأخير، اشارة الى الحث على تجويد الخاتمة ) أخي: ذاك هو نبيك كان حريصا على خير تلك الأيام وهو الأسوة الحسنة لأمته ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ( 21 ) الأحزاب
قال سفيان الثوري 0 رحمه الله ): ( أحب الي اذا دخل العشر الأواخر أن يتجهد بالليل، ويجتهد فيه، وينهض أهله وولده الى الصلاة ان أطاقوا ذلك. )
أخي: كم وكم من الناس تجدهم مفرطين مضيعين لخير هذه الأيام باللهو والعبث فتجدهم يستقبلونها استقبال مودع لرمضان وقد تجد بعضهم يحدث نفسه بالعودة الى أيام اللهو والتمتع باللذات المحرمة
أخي: كم هم مساكين هؤلاء الذين لم يتنبهوا الى هذه الغنيمة الالهية التي جعلها الله تعالى خاتمة جميلة لأيام الشهر المبارك ( رمضان ).. ان مثل العشر الأواخر في رمضان كمثل قوم شهدوا وليمة فقدم لهم فيها ما لذ وطاب من انواع الطعام ثم قدم لهم في نهاية وليمتهم أطيب مما قدم لهم في بدايتها فقدمت لهم أطباق الحلواء والفاكهة ولذائذ المحليات.. ليختموا وليمتهم بخير ختام
أخي: كذاك العشر الأواخر فان من ضيعها فهو كمن شهد بداية تلك الوليمة وغاب عن نهايتها ففاتته نلك اللذائذ.. فاذا حدته من شهدها ندم على ان لا يكون فيمن أصاب منها
أخي: تجد الكثيرين من الناس في أيام العشر الأواخر منصرفين للاعداد لأيام العيد حتى تضيع عليه تلك الايام الغالية وهو مشغول بالتجول في الاسواق
أخي: بامكانك أن تعد ما تحتاج اليه من حاجيات العيد قبل دخول العشر الاواخر فان في الوقت متسع للتفرغ لتلك الايام المباركة وليس ذلك بالصعب ولكن الكثيرين تعودوا ان يشغلوا انفسهم بذلك في تلك الايام المباركة مع العلم بأن الذي يدخل السوق في بداية رمضان يقضي حاجاته بكل ارتياح، بعيدا عن مشقة الزحام، وما يترتب على ذلك من المفاسد الشرعية، من اختلاط، ونظر محرم وغير ذلك فلو فكر الكثيرون في ذلك لذهب عن الأسواق الزحام، وتلك المفاسد التي تحدث غالبا في نهاية الشهر.