صلة الرحم وسعة الرزق
أمر الله بالإحسان إلى ذوي القربى وهم الأرحام الذين يجب وصلهم فقال تعالى : (( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) (البقرة:83) .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { من سرّه أن يُبسط له في رزقه وأن يُنسأ له في أثره فليصل رحمه }.
معنى صلة الرحم :
صلة الرحم تعني الإحسان إلى الأقربين وإيصال ما أمكن من الخير إليهم ودفع ما أمكن من الشر عنهم.
وقطيعة الرحم تعني عدم الإحسان إلى الأقارب, وقيل بل هي الإساءة إليهم.
وفيه فرق بين المعنيين فالمعنى الأول يرى أنه يلزم من نفي الصلة ثبوت القطيعة, والمعنى الثاني يرى أن هناك ثلاث درجات:
1- واصل وهو من يحسن إلى الأقارب.
2- قاطع وهو من يسيء إليهم.
3- لا واصل ولا قاطع وهو من لا يحسن ولا يسيء, وربما يسمى المكافئ وهو الذي لا يحسن إلى أقاربه إلا إذا أحسنوا إليه, ولكنه لا يصل إلى درجة الإساءة إليهم.
ثانياً : حكم صلة الرحم :
لا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة, وقطيعتها معصية من كبائر الذنوب, وقد نقل الاتفاق على وجوب صلة الرحم وتحريم القطيعة القرطبي والقاضي عياض وغيرهما.
ما ورد بشأن صلة الرحم وقطعها :
وقال سبحانه وتعالى : (( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)) (محمد:23).
كما أنه سبحانه عظم قدر الأرحام فقال تعالى : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) (النساء:1).
وقال تعالى : (( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً )) (النساء:36) .
عن عبدا لله بن سلام _ رضي الله عنه_قال : لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، انجفل الناس قِبَلهُ . وقيل : قد قدم رسول لله صلى الله عليه وسلم ، قد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً فجئت في الناس لأنظُرَ فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب ،فكان أول شيء سمعتهُ تكلم به أن قال : (( يا أيها الناس أفشوا السلام ،وأطعموا الطعام،وصلوا الأرحام،وصلوا بالليل والناس نيام،تدخلوا الجنة بسلام)) الترمذي(2485).وابن ماجه (3251) . واللفظ له . وأحمد (5/451) . وذكره الألباني في الصحيحة برقم (456).
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم )) رواه أحمد وإسناده صحيح .
لاشك أن النفس بطبيعتها محبة للخير، تعمل على التماس السبل التي تسوق لها السعة في الرزق والبركة في العمر والأجر، والرسول صلى الله عليه وسلم يخاطب بهذا الحديث هذه النفس، فيرشد إلى طريق السعة في الرزق وكثرته، وإلى طريق التوفيق في العمل، فيهدي العبد إلى العمل الكثير، ذي الأجر الجزيل، في عمره القليل، ووسيلة بلوغ ذلك كله صلة الرحم.
ولاشك أن صلة الرحم باب خير عميم، فيها تتأكد وحدة المجتمعات وتماسكها، وتمتلئ النفوس بالشعور بالراحة والاطمئنان، إذ يبقى المرء دوماً بمنجى عن الوحدة والعزلة، ويتأكد أن أقاربه يحيطونه بالمودة والرعاية، ويمدونه بالعون عند الحاجة، ويهدي تأمل جماليات البيان النبوي في الحديث الشريف إلى إدراك شفقة الرسول صلى الله عليه وسلم بأمته وحرصه على توجيهها إلى ما ينفعها، فالحديث يقوم على أسلوب شرط، يقوم فعله على سرور السامع وسعادته، ويكشف جوابه عما يحقق هذه السعادة المرتجاة، وسبق أسلوب الشرط في الحديث على نحو يثير شوق السامعين، فالمرء حين يصغي إلى قوله عليه الصلاة والسلام: { من سرّه إن يبسط له في رزقه }... تهفو نفسه إلى الوسيلة التي تحقق هذه البسط في الرزق، لكن هذه الوسيلة لا تذكر مباشرة بل يؤخرها قوله صلى الله عليه وسلم : { وأن ينسأ له في أثره } وهو ما يضاعف الشوق لدى السامع، إذ انضافت فائدة أخرى تحققها هذه الوسيلة، وهي البركة في العمل الذي يؤديه المرء في عمره، حتى إذا بلغ شوق السامع غاية مداه بتوجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : { فليصل رحمه } يكشف عما يتطلع السامع إلى معرفته. وصوغ الحديث على قالب أسلوب الشرط على هذا النحو يكسب معناه إحكاماً وترابطاً منطقياً، إذ ترتبط أجزاء المعنى فيما بينها ارتباط مكونات أسلوب الشرط بينها: وهو ارتباط السبب بالنتيجة، وكأن صلة الرحم هادياً حتمياً - إن أخلص المرء النية - إلى سعة الرزق وبركة العمل والأجر والمعنى سوق على نحو يحف الهمم على صلة الرحم.
فالرسول صلى الله عليه وسلم يكشف عن الهدف المرتجى، ثم يعقب ذلك ببيان وسيلة بلوغ هذه الهدف { من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه } وتأمل طبيعة مفردات الحديث الشريف يكشف عن الطبيعة المتجددة الخالدة التي يتسم بها هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأفعال الحديث مضارعة دالة بذاتها على التجدد والاستمرار { يبسط }، { ينسأ }، { فليصل }، أما الفعل { سره } فقد جاء ماضياً دالاً على رسوخ هذه الرغبة في نفس كل إنسان، والفعلان { يبسط } و { ينسأ } مبنيان للمجهول، وكأن ثمة تعظيماً للأجر الجزيل يهبه الله للعبد الواصل رحمه أما الفعل { فليصل } فقد جاء مبنياً للمعلوم مقترناً بلام الأمر ليدل بذلك كله على أهمية صلة الرحم وحتمية القيام بحقها. وجاء شبه الجمله { له } دالاً على القصر، فهذا الأجر الكبير الذي يخص به الله عباده الواصلين أرحامهم مقصور عليهم لن يناله غيرهم، وهو ما يجعل السامعين يحرصون حرصاً أن يكونوا ضمن هؤلاء الفائزين بالأجر العظيم { من سره أن يبسط له رزقه، وأن ينسأ له في أثره } نسأل الله أن يجعلنا من عباده الذين يؤدون حق الرحم، وأن يرزقنا سعة الرزق، والبركة في العمر.
م//للفائدة