مع الجزء السادس و العشرون
(1)
وبعض أيات من سورة الاحقاف
مبدأ الاستقامة على الحق
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ -13
أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ -14
والاستقامة على الحق من أهم المبادئ الإسلامية , حيث بدأت مع أول سور القرآن العظيم ... ( اهدنا الصرط المستقيم )
وفي الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل آمنت بالله ثم استقم.
الراوي: سفيان بن عبدالله الثقفي - المصدر: صحيح الجامع
خلاصة حكم المحدث: صحيح
فالإسلام
عقيدة في القلب تنعكس على كل تصرفات الإنسان , من أول الإقرار بوحدانية
الخالق جل وعلا الذي خلقنا من العدم وأمدنا بكل وسائل الحفاظ على الحياة من
هواء ومياه وغذاء...قال تعالى:
اللَّهُ
الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ
مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ
الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ
الأنْهَارَ – 32 وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ - 33 وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ – 34 " إبراهيم
فنعم
الله لا تعد ولا تحصى..ثم أمدنا بمنهج التربية في المعاملات والأخلاق
ومبادئ التشريع القائمة على العدل في الحكم بين الناس..وهكذا نجد أمامنا
طريق واضح المعالم لا غموض فيه يصل القلب بخالقه بالعبادات المفروضة وعلى
رأسها الصلاة حيث يقف المؤمن بين يدي ربه خمس مرات في اليوم والليلة يستمد
منه العون والمغفرة على التقصير والغفلة ..ويسئله الثبات على الطريق
المستقيم. وبذلك يعم الأمن بين البشر والحب والرخاء .
فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ
فالذين أقروا بربهم وشهدوا له بالوحدانية والتزموا طاعته
وداموا على ذلك، و ﴿ اسْتَقَامُوا ﴾ مدة حياتهم ﴿ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾ من كل شر أمامهم، ﴿ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ على ما خلفوا وراءهم.
﴿ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ﴾ أي: أهلها الملازمون لها الذين لا يبغون عنها حولا ولا يريدون بها بدلا، ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ من الإيمان بالله المقتضى للأعمال الصالحة التي استقاموا عليها.
******
وقال تعالى في سورة فصلت:
إِنَّ
الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ
عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلا تَخَافُوا ولا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا
بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ - 30
نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ
وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا
تَدَّعُونَ – 31 نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ – 32
أي:
اعترفوا ونطقوا ورضوا بربوبية الله تعالى، واستسلموا لأمره، ثم استقاموا
على الصراط المستقيم، علمًا وعملاً، فلهم البشرى في الحياة الدنيا وفي
الآخرة.
********
وقد
ورد ذكر الصراط المستقيم 23 مرة في القرآن العظيم مما يدل على أهمية ذلك
الأمر. .. وجدير بالذكر أن الصراط المستقيم وهو الطريق الموصل إلى رضوان
الله تعالى يحاول كل من شياطين الإنس والجن الصد عنه.
فقد ورد في سورة الأعراف مقولة إبليس بعد إمتناعه عن السجود لأدم :
قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ - 16
ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ
أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ – 17
أي: قال إبليس - لما أبلس وأيس من رحمة اللّه - ﴿ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأقْعُدَنَّ لَهُمْ ﴾ أي: للخلق ﴿ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ أي: لألزمن الصراط ولأسعى غاية جهدي على صد الناس عنه وعدم سلوكهم إياه..
﴿ ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ﴾ أي: من جميع الجهات والجوانب، ومن كل طريق يتمكن فيه من إدراك بعض مقصوده فيهم.
ولما علم الخبيث أنهم ضعفاء قد تغلب الغفلة على كثير منهم، وكان جازما ببذل مجهوده على إغوائهم، ظن وصدق ظنه فقال: ﴿ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ فإن القيام بالشكر من سلوك الصراط المستقيم،
******
ولذلك يجب أن يستعين الإنسان بربه في سلوك هذا الطريق المستقيم, قال تعالى في سورة يونس:
وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ – 25
والله يختص برحمته من يشاء، وذلك عدله وحكمته، وليس لأحد عليه حجة بعد البيان والرسل،
والصرط المستقيم واضح المعالم بالحجة والبرهان لا غموض فيه....
قال تعالى في سورة النساء:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا - 174
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ
فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ
صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا – 175
يمتن تعالى على سائر الناس بما أوصل إليهم من البراهين القاطعة والأنوار الساطعة، ويقيم عليهم الحجة،
وهذا يشمل الأدلة العقلية والنقلية، الآيات الأفقية والنفسية ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقّ ﴾ -53 فصلت
وفي قوله: ﴿ مِن رَّبِّكُمْ ﴾
ما يدل على شرف هذا البرهان وعظمته، حيث كان من ربكم الذي رباكم التربية
الدينية والدنيوية، فمن تربيته لكم التي يحمد عليها ويشكر، أن أوصل إليكم
البينات، ليهديكم بها إلى الصراط المستقيم، والوصول إلى جنات النعيم.
﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ﴾
وهو هذا القرآن العظيم، الذي قد اشتمل على علوم الأولين والآخرين والأخبار
الصادقة النافعة، والأمر بكل عدل وإحسان وخير، والنهي عن كل ظلم وشر،
فالناس في ظلمة إن لم يستضيئوا بأنواره، وفي شقاء عظيم إن لم يقتبسوا من
خيره.
﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّه ِ﴾ أي: اعترفوا بوجوده واتصافه بكل وصف كامل، وتنزيهه من كل نقص وعيب. ﴿ وَاعْتَصَمُــوا بِـهِ ﴾ أي: لجأوا إلى الله واعتمدوا عليه وتبرأوا من حولهم وقوتهم واستعانوا بربهم. ﴿ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ ﴾ أي: فسيتغمدهم بالرحمة الخاصة، فيوفقهم للخيرات ويجزل لهم المثوبات، ويدفع عنهم البليات والمكروهات.
﴿ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ﴾ أي: يوفقهم للعلم والعمل، معرفة الحق والعمل به.
وقال تعالى في سورة المائدة:
يَا
أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا
مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ
جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ - 15 يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ
وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ - 16
نسئل الله تعالى أن يهدينا الصراط المستقيم فبه سعادة الدنيا والآخرة.
*********
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى