الشريف الإدريسي.. العالم الجغرافي المسلم
بقلم: عبده مصطفى دسوقي
نشأته
أبو
عبد الله محمد بن محمد ابن عبد الله بن إدريس الصقلي، وينتهي نسبه إلى
سيدنا الحسن بن الإمام علي بن أبي طالب والسيدة فاطمة الزهراء بنت سيدنا
محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومن هنا جاء لقبه بالشريف
لنسبه لرسول الله.
أحد كبار الجغرافيين في
التاريخ ومؤسسي علم الجغرافيا، كما أنه كتب في التاريخ، والأدب، والشعر،
والنبات ودرس الفلسفة، والطب، والنجوم، في قرطبة.
ولد
في مدينة سبته شمال المغرب عام 493هـ (1100 ميلادية) ومات عام 560هـ
(1166م). تعلم في البيلق وطاف البلاد فزار الحجاز ومصر، وصل سواحل فرنسا
وإنجلترا، سافر إلى القسطنطينية وسواحل آسيا الصغرى. عاش فترة في صقلية
ونزل فيها ضيفًا على ملكها روجر الثاني، تركها في أواخر أيامه، ليعود إلى
بلدته سبته حيث توفي.
ألف الإدريسي كتابه
المشهور (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) والمسمى أيضًا (كتاب رجار) أو
(الكتاب الرجاري) وذلك لأن الملك رجار ملك صقلية هو الذي طلب منه تأليفه
كما طلب منه صنع كرة من الفضة منقوش عليها صورة الأقاليم السبعة، ويقال إن
الدائرة الفضية تحطمت في ثورة كانت في صقلية، بعد الفراغ منها بمدة قصيرة،
وأما الكتاب فقد غدا من أشهر الآثار الجغرافية العربية، أفاد منه
الأوروبيون معلومات جمة عن بلاد المشرق، كما أفاد منه الشرقيون، فأخذ عنه
الفريقان ونقلوا خرائطه، وترجموا بعض أقسامه إلى مختلف لغاتهم.
في
السنة التي وضع فيها الإدريسي كتابه المعروف، توفي الملك رجار فخلفه غليام
أو غليوم الأول، وظل الإدريسي على مركزه في البلاط، فألف للملك كتابًا آخر
في الجغرافيا سمّاه (روض الأنس ونزهة النفس)، أو (كتاب الممالك والمسالك)،
لم يعرف منه إلا مختصر مخطوط موجود في مكتبة حكيم أوغلو علي باشا
بإسطنبول. وذكر للإدريسي كذلك كتاب في المفردات سماه (الجامع لصفات أشتات
النبات)، كما ذكر له كتاب آخر بعنوان (أُنس المهج وروض الفرج).
نزهة المشتاق في اختراق الآفاق
اتصل
الإدريسي بالملك (روجر الثاني) ملك صقلية وكانت صقلية لا تزال تزدهر فيها
الثقافة الإسلامية على الرغم من استيلاء النورمانديين عليها من المسلمين؛
فطلب من الإدريسي أن يرسم له خريطة للعالم، فاختار الرجال، ودربهم على دقة
المشاهدة ليصوروا ما يشاهدونه برسومهم ويزودوه بمعلوماتٍ جغرافيةٍ عن
البلاد التي سينزلون بها، وحين اطمأن إلى قدرتهم على إنجاز مهمته أرسلهم
إلى بلادٍ كثيرة، وكان الإدريسي يدون المعلومات التي تصل إليه منهم، ويعيد
صياغتها.
ثم جمع الإدريسي كل ما وصل إليه
في كتاب سماه (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) وقد احتوى الكتاب على كثير
من المعلومات الخاصة بغرب أوربا، وقد اشتهر هذا الكتاب بين علماء الشرق
والغرب وخاصة المشتغلين بالجغرافيا، واستغرق إخراج هذا الكتاب خمسة عشر
عامًا.
وبعد الانتهاء من تأليفه، أهداه إلى
صديقه الملك روجر سنة 1154م الذي أعجب به، وكافأه عليه، ثم قام برسم خريطة
للعالم حسب طلب الملك (روجر) على لوح مستطيل من الفضة؛ حيث اشتملت على عدد
كبير من الأسماء، ثم طلب منه أن يصنع له كرة توضح شكل الكرة الأرضية، فأمر
الإدريسي أن تفرغ له من الفضة الخالصة دائرة مفصلة عظيمة الحجم في وزن 400
رطل، فلما كملت أمر العمال أن ينقشوا عليها صور الأقاليم ببلادها، وأقطارها
وريفها وخلجانها وبحارها ومواقع أنهارها وعامرها والطرق والمسافات بين
البلاد والمراسي، لا يتركون شيئًا، ويأتون به على هيئته وشكله، فصنع بذلك
أول مجسم لكرة أرضية دقيقة عُرفت في التاريخ على هذا الشكل، ولكن للأسف
تعرضت للضياع.
ولم يَبْقَ من آثار الإدريسي إلا
كتابه وأطلس خرائطه، ويعد الإدريسي أول جغرافي متخصص في هذا العلم، فقد فاق
(بطليموس) العالم اليوناني القديم الذي كان يدرس الرياضيات والفلك، فكان
اهتمامه بالجغرافيا لهذا السبب، أما الإدريسي فلم يهتم إلا بالجغرافيا فقط،
فجعلها علمًا مثل باقي العلوم ومن إسهاماته في هذا المجال أنه أكد على
خطوط الطول والعرض لتحديد المكان والمسافة، وقال بكروية الأرض، وترك عددًا
من الخرائط لمنابع نهر النيل والبحار وأقاليم العالم القديم.
وقد
اهتمت الدول المختلفة بنقل المعلومات التي كتبها الإدريسي عنها ودرسوها
فكان الإدريسي بذلك أعظم جغرافي آنذاك، وحصل على تلك المكانة بفضل ملكاته
الممتازة في رسم الخرائط، ويعتبر أطلسه أهم أثر للخرائط التي رُسِمَتْ في
العصور الوسطي، وقد استطاع (كونراد ميللر) أن يستخرج من أطلس خرائط
الإدريسي خريطة جامعة للعالم، وطبعت سنة 1938م ملونة وفي 1951م طُبِعَت
باللغة العربية وظل الاعتماد على خرائطه في أوروبا حتى القرن السادس عشر
الميلادي.
ولم يكن الإدريسي بارعًا في الجغرافيا
وحدها بل برع أيضًا في النبات وبخاصة الأعشاب الطبية، وألف فيه كتابه
(الجامع لصفات أشتات النبات) وقد استفاد (ابن البيطار) النباتي المشهور من
هذا الكتاب الذي لم يصل إلينا، ونقل منه مائة مرة أشياء تختص بالأشجار
والنبات والأزهار.
وفاته
توفي في سنة 560هـ الموافق 1165م على رأي أكثر المؤرخين وهو بعيد وغريب عن بلده يسعى للعلم.
بقلم: عبده مصطفى دسوقي
نشأته
أبو
عبد الله محمد بن محمد ابن عبد الله بن إدريس الصقلي، وينتهي نسبه إلى
سيدنا الحسن بن الإمام علي بن أبي طالب والسيدة فاطمة الزهراء بنت سيدنا
محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومن هنا جاء لقبه بالشريف
لنسبه لرسول الله.
أحد كبار الجغرافيين في
التاريخ ومؤسسي علم الجغرافيا، كما أنه كتب في التاريخ، والأدب، والشعر،
والنبات ودرس الفلسفة، والطب، والنجوم، في قرطبة.
ولد
في مدينة سبته شمال المغرب عام 493هـ (1100 ميلادية) ومات عام 560هـ
(1166م). تعلم في البيلق وطاف البلاد فزار الحجاز ومصر، وصل سواحل فرنسا
وإنجلترا، سافر إلى القسطنطينية وسواحل آسيا الصغرى. عاش فترة في صقلية
ونزل فيها ضيفًا على ملكها روجر الثاني، تركها في أواخر أيامه، ليعود إلى
بلدته سبته حيث توفي.
ألف الإدريسي كتابه
المشهور (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) والمسمى أيضًا (كتاب رجار) أو
(الكتاب الرجاري) وذلك لأن الملك رجار ملك صقلية هو الذي طلب منه تأليفه
كما طلب منه صنع كرة من الفضة منقوش عليها صورة الأقاليم السبعة، ويقال إن
الدائرة الفضية تحطمت في ثورة كانت في صقلية، بعد الفراغ منها بمدة قصيرة،
وأما الكتاب فقد غدا من أشهر الآثار الجغرافية العربية، أفاد منه
الأوروبيون معلومات جمة عن بلاد المشرق، كما أفاد منه الشرقيون، فأخذ عنه
الفريقان ونقلوا خرائطه، وترجموا بعض أقسامه إلى مختلف لغاتهم.
في
السنة التي وضع فيها الإدريسي كتابه المعروف، توفي الملك رجار فخلفه غليام
أو غليوم الأول، وظل الإدريسي على مركزه في البلاط، فألف للملك كتابًا آخر
في الجغرافيا سمّاه (روض الأنس ونزهة النفس)، أو (كتاب الممالك والمسالك)،
لم يعرف منه إلا مختصر مخطوط موجود في مكتبة حكيم أوغلو علي باشا
بإسطنبول. وذكر للإدريسي كذلك كتاب في المفردات سماه (الجامع لصفات أشتات
النبات)، كما ذكر له كتاب آخر بعنوان (أُنس المهج وروض الفرج).
نزهة المشتاق في اختراق الآفاق
اتصل
الإدريسي بالملك (روجر الثاني) ملك صقلية وكانت صقلية لا تزال تزدهر فيها
الثقافة الإسلامية على الرغم من استيلاء النورمانديين عليها من المسلمين؛
فطلب من الإدريسي أن يرسم له خريطة للعالم، فاختار الرجال، ودربهم على دقة
المشاهدة ليصوروا ما يشاهدونه برسومهم ويزودوه بمعلوماتٍ جغرافيةٍ عن
البلاد التي سينزلون بها، وحين اطمأن إلى قدرتهم على إنجاز مهمته أرسلهم
إلى بلادٍ كثيرة، وكان الإدريسي يدون المعلومات التي تصل إليه منهم، ويعيد
صياغتها.
ثم جمع الإدريسي كل ما وصل إليه
في كتاب سماه (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) وقد احتوى الكتاب على كثير
من المعلومات الخاصة بغرب أوربا، وقد اشتهر هذا الكتاب بين علماء الشرق
والغرب وخاصة المشتغلين بالجغرافيا، واستغرق إخراج هذا الكتاب خمسة عشر
عامًا.
وبعد الانتهاء من تأليفه، أهداه إلى
صديقه الملك روجر سنة 1154م الذي أعجب به، وكافأه عليه، ثم قام برسم خريطة
للعالم حسب طلب الملك (روجر) على لوح مستطيل من الفضة؛ حيث اشتملت على عدد
كبير من الأسماء، ثم طلب منه أن يصنع له كرة توضح شكل الكرة الأرضية، فأمر
الإدريسي أن تفرغ له من الفضة الخالصة دائرة مفصلة عظيمة الحجم في وزن 400
رطل، فلما كملت أمر العمال أن ينقشوا عليها صور الأقاليم ببلادها، وأقطارها
وريفها وخلجانها وبحارها ومواقع أنهارها وعامرها والطرق والمسافات بين
البلاد والمراسي، لا يتركون شيئًا، ويأتون به على هيئته وشكله، فصنع بذلك
أول مجسم لكرة أرضية دقيقة عُرفت في التاريخ على هذا الشكل، ولكن للأسف
تعرضت للضياع.
ولم يَبْقَ من آثار الإدريسي إلا
كتابه وأطلس خرائطه، ويعد الإدريسي أول جغرافي متخصص في هذا العلم، فقد فاق
(بطليموس) العالم اليوناني القديم الذي كان يدرس الرياضيات والفلك، فكان
اهتمامه بالجغرافيا لهذا السبب، أما الإدريسي فلم يهتم إلا بالجغرافيا فقط،
فجعلها علمًا مثل باقي العلوم ومن إسهاماته في هذا المجال أنه أكد على
خطوط الطول والعرض لتحديد المكان والمسافة، وقال بكروية الأرض، وترك عددًا
من الخرائط لمنابع نهر النيل والبحار وأقاليم العالم القديم.
وقد
اهتمت الدول المختلفة بنقل المعلومات التي كتبها الإدريسي عنها ودرسوها
فكان الإدريسي بذلك أعظم جغرافي آنذاك، وحصل على تلك المكانة بفضل ملكاته
الممتازة في رسم الخرائط، ويعتبر أطلسه أهم أثر للخرائط التي رُسِمَتْ في
العصور الوسطي، وقد استطاع (كونراد ميللر) أن يستخرج من أطلس خرائط
الإدريسي خريطة جامعة للعالم، وطبعت سنة 1938م ملونة وفي 1951م طُبِعَت
باللغة العربية وظل الاعتماد على خرائطه في أوروبا حتى القرن السادس عشر
الميلادي.
ولم يكن الإدريسي بارعًا في الجغرافيا
وحدها بل برع أيضًا في النبات وبخاصة الأعشاب الطبية، وألف فيه كتابه
(الجامع لصفات أشتات النبات) وقد استفاد (ابن البيطار) النباتي المشهور من
هذا الكتاب الذي لم يصل إلينا، ونقل منه مائة مرة أشياء تختص بالأشجار
والنبات والأزهار.
وفاته
توفي في سنة 560هـ الموافق 1165م على رأي أكثر المؤرخين وهو بعيد وغريب عن بلده يسعى للعلم.