النظام الشمسي
وحدات حساب الأبعاد الفلكية في النظام
الشمسي: كثيراً ما يحتار الإنسان عندما يفكر في أبعاد الكون الواسع, ولا
يزال لدى العديد غرابة في استيعاب حجم الكون. إذ يستطيع الفرد العادي تقدير
المسافة جيداً بين منزله ومقر عمله، ويستطيع استيعاب البعد الشاسع بين أي
مدينتين على سطح الأرض، ولعل ذلك يعود إلى أننا نستطيع أن نفهم وحدة
المسافة التي نقيس بها الأبعاد على سطح الأرض،وهي المتر ومشتقاته ولذلك
عندما نقول أن المسافة بين مدينتين 500 كلم يكون واضحاً أنها أبعد من
المسافة بين منزلي ومقر عملي والبالغة 25 كلم مثلاً.
ولكن إذا أردنا الحديث عن نظام خارج الأرض مثل حديثنا الذي سيدور خلال
الفصول القادمة عن النظام الشمسي وكواكبه تكون حينئذ وحدة المتر
ومشتقاته صغيرة وضئيلة وكأن المثل الذي يقول قطرة في المحيط لا تكفي
للمقارنة مع بعد هذا النظام بشكل خاص وأبعاد الكون بشكل عام مع وحدة
المتر ومشتقاتها التي نستعملها.
لذلك اضطر العلماء إلى وضع وحدات مسافة
جديدة لتسهيل التعامل مع أبعاد الأجرام عنا. وكان أصغر هذه الوحدات والذي
سأكتفي بالحديث عنه هنا لأننا لن نضطر لاستخدام الوحدات الأكبر هو الوحدة
الفلكية Astronomical Unit وتعرف بأنها متوسط المسافة بين مركزي الشمس
والأرض وتقارب 150 مليون كيلومتراً، فبدلاً من القول أن الأرض تبعد
بالمتوسط عن الشمس مسافة 150 مليون كم، نقول أنها تبعد وحدة فلكية واحدة.
وإذا أخذنا الكوكب عطارد مثلاً فإنه يبعد عن الشمس 58 مليون كلم وتعادل
0.38 وحدة فلكية.
وعلى الرغم من هذه الوحدة مناسبة عند الحديث عن الأجرام الواقعة ضمن النظام الشمسي
إلا أنها لا تناسب الحديث عن الأجرام الأبعد مثل النجوم لذلك اضطر العلماء
إلى وضع وحدات اكبر مثل السنة الضوئية والتي تعادل المسافة التي يقطعها
الضوء في الفراغ في زمن قدره سنة كاملة . وقد تم حساب مقدارها بالمعادلات
الرياضية (المسافة = السرعة× الزمن ) وتقدر قيمتها بحوالي 9.5 مليون مليون
كم.(9.5 X 10 12 كم). من هنا نلاحظ كيف أن مفهوم البعد بين النجوم قد أصبح
كبيراً . ثم احتاج العلماء لوضع وحدة أكبر لقياس البعد بين المجرات مثلاً
فكانت الفرسخ الفلكي والذي لن أدخل بتفاصيل حسابه والذي تقدر قيمته بأنه
3.26 سنة ضوئية.
مركز الكون وترتيب النظام الشمسي:
موضوع مركز الكون من المواضيع المطروحة
منذ العهد القديم في علم الفلك. فقد سادت منذ الحضارات الإغريقية القديمة
أفكاراً حول مركز الكون والتي يعزى إليها تأخير مسيرة علم الفلك عن سائر
العلوم. وكانت هذه الأفكار تدور حول موقع الأرض المقدس وبأنها لا بد وأن
تكون مركز هذا الكون كله وكانت تدعى بنظرية مركزية الأرض Geocentric وكان
هذا موضوع لا يقبل النقاش أو النقد، وكانت القوانين صارمة جداً تجاه من
يحاول حتى أن يفكر بأن الأرض ليست مركز الكون وكانت هذه النظرية تدعى نظرية
بطليميوس لأنه من أوائل من ناصرها ووقف أمام من يقول غير ذلك. فكيف يمكن
لأي جرم سماوي آخر أن يقع في منزلة الأرض فالشمس والقمر والنجوم والكواكب
تدور جميعها حول الأرض كما تبدو ظاهرياً بالنسبة لمن يراقبها.
وقد حاول أرستارخوس قبل الميلاد بحوالي
ثلاثة قرون أن يثبت أن الشمس هي المركز وأن الكواكب بما فيها الأرض تدور
حولها،ولكن العقاب كان صارماً فقد أمر أفلاطون صاحب المدينة الفاضلة بإحراق
كتبه ومنعه من نشر هذه الأفكار. وتوالت الحضارات في تناقل هذه الفكرة على
الرغم من بعض الإنجازات الرائعة لليونانيين مثل محاولة إيراتو ستينس قياس
محيط الأرض بدقة بالغة . وتلا ذلك نبوغ بعض العلماء العرب الذين أبدعوا في
علم المثلثات والحساب وكانت لا تزال نظرية مركزية الأرض هي الثغرة الوحيدة
التي يرفض نقدها. وحتى في أوروبا التي كانت تعيش أسوأ فترات حياتها كانت
سيطرة الكنيسة قوية ولا تقبل النقاش في هذا الموضوع بالتحديد فقد كان يحرق
أو يعدم كل من يحاول التفكير في هذه النظرية ونقدها.
وكما هي الحال دائماً لا بد من وجود
رواد أقوياء لديهم الجرأة على طرح فكرة جديدة وتحت إصرارهم القوي وإيمانهم
وقناعتهم بهذه الفكرة يتم التغيير الجذري. وهكذا كان بالنسبة لموضوع مركزية
الأرض فبعد أن حصل علماء أوروبا في القرن الخامس عشر على خلاصة علم العرب
وإبداعهم وتركوهم ليدخلوا دور السبات والتأخر، وقف العالم نيكولاس كوبرنيكس
(1473 – 1543) في وجه التحديات ونقد فرضية أرسطو وأفلاطون وقال بأن الشمس
هي مركز الكون وليس الأرض وأنها الأخيرة مع باقي الكواكب والقمر والنجوم
تدور حول الشمس. وقال إن دورة الأرض حول الشمس تستغرق عام. وليس هذا فحسب
بل أن الأرض تدور حول محورها في 24 ساعة لتتم اليوم الواحد. ودعيت هذه
النظرية باسم مركزية الشمس Heliocentric . ولم يجني إلا غضب الكنيسة وسخط
رجال الدين عندما نشر هذه الأفكار في كتابه: On the Revolution of the
Celestial Spheres، والذي نشره باللغة اللاتينية وهم قلة الذين عرفوا
قراءته في تلك الفترة. هذا الكتاب تضمن القواعد السبعة الأساسية لما يعرف
اليوم بالحركة الكوبرنيكية وقد أخر نشره حتى العام 1543 على الرغم من
الانتهاء في وضع هذه الأفكار قبل عشر سنوات. ولكن كيف زحزح الأرض المركز
للكون ووضعها في مكان ثانوي لتدور حول جرم آخر! لم يكن من السهل على العامة
استيعاب هذه الفكرة. ولكن هذه كانت الخطوة الصحيحة الأولى في علم الفلك
الحديث.
وقد حاول الراصد تيخو براهى الدنمركي
(1546 – 1601) أن يضع تصوراً خاصاً حول مركزية الكون اعتبر نظاماً هجيناً
بين نظامي بطليميوس كوبرنيكس حيث اعتبر أن الكواكب تدور حول الشمس ولكن
الشمس وكواكبها تدور حول الأرض .على الرغم من عدم توفقه في طرح هذه الفكرة
إلا أن براهى كان من أشهر راصدي عصره وعرف عنه الدقة الشديدة والبراعة في
الأرصاد وخاصة فيما يتعلق برصد كوكب المريخ.
وظهرت في بداية القرن السابع عشر نقطة
التحول في الموضوع. وبدأت القصة عندما سمع جاليليو غاليلي من إيطاليا عن
صنع الهولندي ليبرشي للمقراب، قام ودون رؤيته بصنع ونحت مقراب خاص به
استطاع أن يوجها نحو السماء ويرصد أجرامها من خلاله وكان هذا في العام 1609
. وباستعمال هذا المقراب الرائد استطاع أن يرى القمر وكان أول جرم يرصده
وميّز معالم سطحه ثم نظر إلى الشمس مباشرة فكان لرصدها أثر على فقد بصره
لاحقاً وشاهد بقعاً داكنة تغير مواقعها على سطح الشمس مع مرور الوقت. وقد
اعتبر هذا دليلاً على أن الشمس تدور حول نفسها. ثم بدأ برصد الكواكب؛ فنظر
إلى المشتري وشاهد حوله أربعة أجرام تدور حول الكوكب وكأنها نظام مصغّر.
وهذه الأجرام هي أقمار المشتري الكبيرة والتي تدعى الآن أقمار جاليليو.
"إذاً ليس كل شيْ يدور حول الأرض". ثم درس الزهرة وشاهد تغيّر أوجه الزهرة
مع الوقت كما هو حال القمر، وعزى سبب هذه التغيرات في أطوار الزهرة
لدورانها حول الشمس. كل هذه الاستنتاجات كانت تدعم نظرية كوبرنيكس بأن
الشمس هي المركز وليست الأرض.فقام بتأليف كتاب نشر فيه أفكاره وسماه The
Starry Messenger في نفس العام 1610 وكان بهذا يتحدى الكنيسة وعلى الرغم من
علمه بقصة إحراق جورادنو برونو عام 1600 حرقاً على الصليب بسبب تحديه آراء
الكنيسة والقول بمركزية الشمس . ولكنه لم يرضخ لهم بل استمر في نشر أفكاره
وألف عام 1632 كتابه Dialogue Concerning the Two Chief Word System.
والذي كان يمثل مناظرة بين نظرية بطليميوس ونظرية كوبرنيكس دعم فيها
كوبرنيكس بكل مشاهداته وأرصاده ونشره بالإيطالية ليصل إلى الجميع من عامة
الشعب. وحكم عليه في العام 1633 بالسجن في داره حتى وفاته لهذه التصريحات
المهددة بمركزية الأرض.ولكنه استطاع أن يزيح الغشاوة التي كانت تعمي أبصار
العلماء عن حقيقة ترتيب هذا الكون.
ثم كانت الخطوة الأخيرة والرائدة في علم
الفلك الحديث ومن صنع العالم الألماني جوهانز كبلر (1571 – 1630 ) الذي
كان عالم رياضيات فذ تنقصه الدراية في الحسابات والأرصاد الفلكية .ومن حسن
حظ البشرية يلتحق صاحبنا بالعمل عند الراصد الشهير في عصره تيخو براهى في
العام 1600 قبيل وفاة الأخير بسنة واحدة فقط .وقد عمل كبلر عنده للاستفادة
من خبرته الرصدية ولم يكن يتوقع انه سيكون الوريث الشرعي الوحيد لجميع
أوراقه وحساباته وأرصاده.فقد توفي براهى في العام 1601 ولم يكن له من يرثه
فحصل كبلر على إذن من الحكومة بأخذ ممتلكاته كوريث وحيد له.وتمت الموافقة
على هذا وكان القدر يخطط لهذا حيث بنى كبلر على هذه الوراق الأسس التي قامت
عليها قوانينه الشهيرة والمعروفة باسم قوانين كبلر.. وفي البداية كان كبلر
يطبق الحسابات التي قام بها براهى لرصد المريخ على المدار الدائري الذي
كان مألوفاً ومعروفا في ذلك الحين.ولكن الأرقام لم تنطبق مع هذا الشكل
الدائري كامل الاستدارة للمدار.
ولم يشك لحظة واحدة في أرصاد معلمه براهى لما عرف عنه من دقة ،فقرر أن
الخطأ ليس في الأرقام بل في المدار فمدارات الكواكب ليست مدارات دائرية،
فطبقها على مدارات قطع ناقص مدارات إهليلجية فثبتت القراءة على المدار بدقة
متناهية. فخلص إلى أن مدارات الكواكب حول الشمس هي مدارات قطع ناقص بحيث
تكون الشمس في إحدى البؤرتين والأخرى فارغة .بحيث تكون الكواكب في مدارها
قريبة من الشمس وتدعى هذه النقطة بالحضيض Perihelion وفي نقطة أخرى تكون
أبعد ما يمكن عن الشمس وتدعى عندها في الأوج Aphelion واعتبر هذا هو قانونه
الأول والذي ينص :" تدور جميع الكواكب السيارة حول الشمس في مدارات القطع
الناقص (إهليلجية) بحيث تقع الشمس في إحدى بؤرتيها"
ثم توصل إلى قانونه الثاني والمتعلق
بسرعة الكواكب في مداراتها وقال فيه أن سرعة الكواكب في المدار ليست ثابتة
بل تتغير فتزداد سرعتها كلما اقتربت من الحضيض وتقل سرعتها في الأوج وذلك
حتى تكون المساحات المقطوعة خلال هذا المدار في أزمان متساوية لها نفس
القيمة. ونص هذا القانون: " يمسح المستقيم الوهمي الواصل بين مركزي أي كوكب
والشمس في أثناء دورانه مساحات متساوية في أزمنة متساوية."
أما القانون الثالث فيربط بين بعد
الكواكب عن الشمس ومدة دورانه في مداره بحيث أن النسبة بين مكعب متوسط
البعد عن الشمس ومربع زمن دورة الكوكب عن الشمس تساوي دائماً نسبة ثابتة،
ومنها حسب أبعاد الكواكب عن الشمس. وينص القانون الثالث على:" يتناسب مربع
زمن دوران كل كوكب حول الشمس مع مكعب نصف المحور الكبير لمدار الكوكب". وقد
نشر كبلر هذه القوانين في كتابه The Harmony of The World في العام 1919.
واعتماداً على هذه القوانين استطاع العالم البريطاني اسحق نيوتن (1643 –
1727 ) أن يضفي الصبغة العلمية على أعمال سابقيه في قوانين منها قانون
الجذب العام الشهير وقوانين القوة المركزية وتفسير قوانين كبلر في الحركة
وغيرها الكثير من الأعمال. وهكذا نرى أنه بعد تأخر دام لمدة خمسة عشرة
قرناً بعد الميلاد استطاع هؤلاء العلماء توجيه المركب لعلم الفلك في
الاتجاه الصحيح وبدأت الدراسات المستفيضة وتلتهم الكثير من الأسماء التي لا
يتسع لنا المكان لذكرها هنا. ولكن لفهم النظام الشمسي
علينا ترتيب المعلومات بالشكل التالي: تدور الكواكب حول الشمس في مدارات
اهليلجية بترتيب معين يزداد فيها حجم المدار مع ازدياد بعد الكوكب عن
الشمس، وأن ترتيب هذه الكواكب وأهم المعلومات عنها يمكن دراسته بشكل مختصر
في الجدول التالي قبل الدخول في تفاصيل كل كوكب خلال فصول الكتاب المختلفة.
وقد ارتأى البعض أنه لتسهيل دراسة
الكواكب يمكن تصنيفها إلى كواكب داخلية وخارجية متمايزة في
صفاتها.فالداخلية تشمل عطارد والزهرة المريخ والأرض وتتميز بأنها صخرية
صغيرة الحجم ذات أقمار قليلة وبعضها من دون قمر وكثافتها عالية. أما
الخارجية وتشمل المشتري زحل أورانوس ونبتون فتتميز بأنها كواكب غازية كبيرة
الحجم ذات أقمار كثيرة تدور حولها وكثافتها قليلة. أما الكوكب بلوتو فهو
ينتمي إلى ما يعرف بالكواكب الجنينية المتباينة في صفاتها عن المجموعتين
السابقتين الذكر وسيرد شرح هذا بالتفاصيل خلال فصل الكوكب بلوتو وصفاته.
ولا بد من ذكر قرار الاتحاد الفلكي الدولي بإقصاء بلوتو من منصبه ككوكب
رئيس وضمه في فئة جديدة هي الكواكب القزمة مع كل من الكويكب سيريس والكوكب
الجديد ايرس، وذلك ضمن تغيير تعريف
الكوكب الجديد كما أقر في آب-2006 في مدينة براغ. وسأحاول أن أركز في
كتابنا المتواضع هذا على عرض أحدث البيانات والمعلومات عن موضوعات تخص
عائلة الشمس علنا نتعرف على هذا النظام الشمسي
الذي قد يكون فريداً من نوعه في هذا الكون الشاسع، وإن لم نكن نحن البشر
على سطح كوكب الأرض كوكب الحياة ندرسه فلا نعرف أي شكل من أشكال الحياة
غيرنا لدراسته.